حجج واهية للمتبرّجات والرّد عليها

إن التي سمت روحها ، وعلت همتها ، تبادر إلى الاستجابة لأوامر الله ، وتنتهي عن نواهيه قائلة : سمعنا وأطعنا... أما من استحوذت عليها الشياطين ، فانكفأت في هوّة المعاصي ، وأحاطت بها الظلمات ، فإنها تأبى الإمتثال لله ، و الإنقياد لحكمه قائلة : سمعنا وعصينا... ولا تكتفي بذلك ، بل تورد الحجة تلو الحجة ؛ لتبرر معاصيها وخطاياها ، ولتضل غيرها من ضعيفات النفوس بتلك الحجج الشيطانية الخبيثة ، ولتسكت أصوات الآمرين لها بالمعروف والناهين لها عن المنكر... يقول الله تعالى : ( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثاني عطفه لتضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيمة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد ) ومن كلام سيدة النساء ( ع ) ( خير للمرأة أن لا ترى الرجل ولا الرجل يراها ) سورة الحج : 8 ـ 10 . إن التبرج من كبائر المعاصي ، والتي تجادل عنه تكون أئمة ، فتكسب إلى جانب معصيتها الأصلية معصية أخرى هي الجدل الباطل في الله.

وقد رأيت أن أسوق غالبية ما تقبح به المتبرجات ، وهي حجج تختلف من متبرجة لأخرى ، عسى أن يكون في ردّي عليها شعاع من النور لتلك السادرة في الغيّ ، الغارقة في الظلمات ، كما أرجو أن يكون في ردّي عليها قبس من المعرفة لتلك التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، عندما تصطدم بإحدى هذه الحجج ؛ لكي تتمكن من الرّد عليها و إبطالها.


الحجة الأولى :من تدعي أن طهارة القلب ، وسلامة النية يغنيان عن الحجاب

إن التي تخرج عن تعاليم الإسلام ، ثم تدّعي أن طهارة القلب وسلامة النية كافيان لرضاء الله عنها بغير حجاب ولا صوم ولا صلاة ، أو غير ذلك من الأمور الشرعية التي لا يصح الإسلام إلا بتطبيقها ؛ تعتبر جاهلة ، فكأنّ الله تعالى يوزع رحمته على الناس بمشيئتهم لا بمشيئته ، أو أن الله العدل الذي حرّم الظلم على نفسه ، وجعله محرّماً بين الناس ، قد تخلى عن صفاته ) حاش لله ) فأعطى المقصر والمسيء كالمحسن العامل !... معاذ الله ، ذلك قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا الذين يقولون إن الدار الآخرة خالصة لنا من دون الناس يوم القيامة !
إن الحق جل شأنه قد بين في سورة الفاتحة التي تقرأ وتكرر كل يوم في كل صلاة بأنه
:  ملك يوم الدين ) بعد قوله ( الرحمن الرحيم).
إشارة إلى يوم الجزاء والحساب ، الذي يتهرّب منه المقصّرون بزعمهم أن الله غفور رحيم. حقاً إنه غفور رحيم ، ولكن للتائبين لا للمذنبين المعاندين ، وإلا فما فائدة الجزاء والحساب ؟ ولماذا خلقت الجنة والنار ؟ يقول الله عزوجل : (
فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره - سورة الزلزلة : 7 ـ 8 ويقول جل شأنه :
 (
قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة والذين هم بأيتنا يؤمنون ) سورة الأعراف : 156. يقول تعالى : ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) سورة الأعراف : 56 )  
فالرحمة إنما تنال بالعمل الصالح والتقوى والإحسان ، وليس القلب قبراً يدفن فيه الإيمان ، ولا يظهر على صاحبه آثاره.

يقول محمد زكريا الكاندهلوى :
«
يقول بعضهم : إن إصلاح القلب ، وتزكية الروح ، وتصفية الباطن هو الأصل في الدين ، فإذا صفا القلب وطهر الباطن لا حاجة إلى إعفاء اللّحية ( مثلاً ) والتقيد بزي من الأزياء. وقولهم هذا فاسد يناقض بعضه بعضاً ؛ لأن القلب إذا صلح والباطن إذا طهر والروح إذا تزكى ، لا محالة يكون السلوك وفق ما امر الله تعالى بشأنه ، ولا محالة أن تخضع جوارحه للإستسلام ، وتنقاد أعضاؤه لإمتثال أوامر الله والإجتناب عن نواهيه ، ولا يجتمع صفاء الباطن وطهارة القلب مع الإصرار على المعصية صغيرة كانت أو كبيرة.
فمن قال إني أصلحت قلبي ، وطهرت روحي ، وصفّيت باطني ، ومع ذلك يجتنب عما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو كاذب في قوله ، تسلّط عليه الشيطان في شؤونه.

وهل يعتقد هؤلاء أن الإثم شيء باطني فيرجعون الصلاح أو الفساد إلى القلب فقط ؟! لقد بيّن رب العزة أن هناك آثاماً ظاهرة ، وأثاماً باطنة ، ويتبين ذلك من قوله تعالى
وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون ) الأنعام : 120)
إن الإنسان الذي يدّعي أن إيمانه القلبي يكفي لرضاء الله عنه بلا تنفيذ لأوامره ؛ هو كإبليس اللعين ، لأن إبليس كان مؤمناً بوجود الله ، متيقناً أنه هو الذي خلقه ، يقول تعالى
وقلد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين - الأعراف : 11 ، 12
وقد استقر في قلب إبليس أنه لا إله إلا الله ، وآمن بيوم البعث والنشور ( يوم القيامة ) ولذلك دعا ربه أن لا يحاسبه وقت بداية عصيانه ، بل يؤخره إلى يوم البعث كما أخبر الله تعالى عنه :
 (
قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبّر فيها فأخرج إنّك من الصاغرين * قال أنظرني إلى يوم يبعثون * قال إنّك من المنظرين ) سورة الاعراف 13 ـ 15 .
ولكن ما السبب أن الله تعالى كتب عليه اللعنة ، وحرّم عليه الجنة ، ودمغه بالكفر ؟ يبين الله تعالى السبب بقوله جلّ شأنه :
(
قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين * قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فأخرج منها فإنك رجيم * وإن عليك لعنتي إلى يوم الدّين ) سورة ص : 75 ـ 78.
لسبب أنه أبى الإنقياد والإمتثال لأمر الله ! فكل من أبى الإنقياد والإمتثال لأمر الله فهو كإبليس ، وإن صدّق بوجود الله والبعث والنشور ، ومن لم يمارس الإيمان عملاً وتطبيقاً واستجابة لأمر الله فهو من أصحاب إبليس ! فكيف أيتها المتبرجة ! تدّعين أن إيمانك يكفي لرضاء الله بينما ترفضين الإنقياد لله الذي أمرك بعدم التبرج ؟ فقال جل شأنه
:
 (
وقرن في بيوتكن ولا تبرّجن تبرّج الجاهليّة الأولى
) سورة الأحزاب : 33


الحجة الثانية: من تدعي أن الصوم والصلاة يغنيان عن الحجاب 

قد تدعي المتبرجة أنها تصوم ، وتصلي ، وتتصدق على الفقراء ، وذات خلق حسن ، وأن الحجاب مظهر من المظاهر الجوفاء ليست له أهمية ولا ضرورة.
كيف بالله تعتقد ذلك بينما يعتبر الحجاب ونبذ التبرج فريضة من أهم ما فرضه الله تعالى على المرأة ؟ إذ قرن النهي عن التبرج بالأمر بإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله ، وذلك في قوله تعالى :
 (
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهليّة الأولى وأقمن الصلواة وأتين الزكوة وأطعن الله ورسوله ) سورة الأحزاب : 33. وكيف بالله يمكن تمييز المسلمة المؤمنة عن غيرها من الفاسقات والمتبرجات والكافرات إلا بالحجاب الإسلامي ؟ بل إن الإلتزام بأداء الصلاة ، والصيام ، وغير ذلك مما أمر به الشرع من عبادات ، وأركان يجب أن يلزمنا بفريضة الحجاب ، فالله تعالى يقول :  ( إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) العنكبوت : 45.
إن الصلاة تهذب الخلق ، وتستر العورة ، وتنهى صاحبها عن كل منكر وزور ، فيستحي أن يراه الله في موضع نهاه عنه ، تنهاه عن الفحشاء والمنكر ، وأي فحشاء ومنكر أكبر من خروج المرأة كاسية عارية مميلة مائلة ضالة مضلّة ؟ ولو كان الحجاب مظهراً أجوف ؛ لما توعّد الله المتبرجات بالحرمان من الجنة ، وعدم شم ريحها.
إن الحجاب هو الذي يميز بين العفيفة الطائعة ، والمتبرجة الفاسقة ، ولو كان مظهراً أجوف ؛ لما استحق كل هذا العقاب لتاركته ، بل والأحاديث والآيات القرآنية الحافلة بذكره ، بل ولما ترتب على تركه فسق الشباب وتركهم للجهاد ، وكيف يلتفت الشاب المسلم إلى واجبه المقدس وهو تائه الفكر ، منشغل الضمير ، مشتت الوجدان أقصى ما يطمح إليه نظرة من هذه ، ولمسة من تلك ؟!
وإن حال التي تستجيب لبعض أوامر الله ، وتترك بعضها هي حال من ذمهم الله تعالى بقوله :
 (
افتؤمنون ببعض الكتب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحيوة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) سورة البقرة : 85.
ولتتذكر هذه قول الله تعالى
:
 (
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضللاً مبيناً
) سورة الأحزاب : 36.


الحجة الثالثة :من تدعي أن حبها لله ورسوله كفيلان برضاء الله عنها بدون عمل

إن رضاء الله تعالى على المرء يكمن في إتباع أوامره ، واجتناب نواهيه ، وما هذه الحال التي وصلنا إليها بسبب أولئك الذين لا يعرفون من القرآن سوى رسمه ، ومن الإسلام سوى اسمه ، ويزعمون حب الله ورسوله فيقول قائلهم : « إن الله حبيبي ولن يعذبني بعمل أو بدون عمل ».
ومثل من يقول ذلك كمثل اليهود والنصارى الذين قال فيهم الله عزّوجل :
 (
وقالت اليهود والنصرى نحن أبناء الله وأحبّاؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير ) سورة المائدة : 18.
ويقول تعالى :
 (
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم * قل أطيعوا الله والرسول فإن تولّوا فإنّ الله لا يحبّ الكفرين
) آل عمران : 31 ، 32.
ولله در القائل
:

تعصي إلالـه وأنت تزعم حبه * هذا لعمـري فـي القيـاس بديع
لو كان حبك صـادقاً لأطعمته * إن المحب لمـن يحـب مطيـع

يقول الشيخ محمد محمود الصواف :
« إن مجرد الإنتساب إلى شيء من الأشياء ، لا يحقق الأصل المرجو بالنفع من وراء ذلك الإنتساب ؛ ما لم يدعم بالعمل بمقتضى ما يختمه عليك ذلك الأمر الذي انتسبت إليه ، ولنضرب لذلك بعض الأمثلة :
1 ـ لو انتسبت إلى دائرة ما ، وعينت فيها ؛ فمتى تستحق أن تسمى موظفاً وتأخذ الراتب المخصص لك ؟ أليس المطلوب ، أن تباشر العمل فعلاً ، ويكتب رئيس دائرتك تاريخ مباشرتك ؟ ثم تستمر في الدوام والعمل إلى نهاية الشهر لتقبض الراتب ؟ فإذا لم تباشر بالعمل الذي عينت له ، ولم تداوم فهل تصبر الدائرة عليك ؟ وهل تصرف لك راتباً ؟
الجواب : لا ، بالطبع حتى ولو صدر أمر إداري بتعيينك ؛ فإن إلغاء الامر وفصلك من دائرتك من أيسر الأمور.
2 ـ لو انتسبت إلى معهد أو مدرسة ، أليس المطلوب منك أن تحضر الدروس ، وتداوم بإنتظام وتعمل كل ما تأمرك به إدارة ذلك المعهد أو تلك المدرسة ، فإذا عصيت أمر الإدارة ، ولم تسمع لها قولاً ، وخالفت قوانين وأنظمة المدرسة أو المعهد ، فهل تبقى منتسباً إليه أم تفصل منه ؟
لا شك أنك تفصل ، ولا ينفعك هذا الإنتساب شيئاً.
3 ـ لو انخرطت في سلك الجنديّة ، وانتسبت إلى الجيش بصفة ضابط أو جندي ، أليس المطلوب منك أن ترتدي البزة العسكرية ؟ وتسمع وتطيع كل أمر يصدر إليك من آمريك بدون تباطؤ أو أعتراض ؟ فإذا لم ترتد هذه البزة ، أو ارتديتها ولكنك لم تقم بما يأمرك به آمروك ، ولم تحافظ على الطاعة والنظام العسكري ، بل تخالف كل ما يفرضه عليك واجب الإنتساب إلى هذا المسلك الشريف ، فهل ترى أنك ستبقى متمتعاً بنعم هذا الإنتساب ، أم أنك تفصل منه بأقل من لمح البصر ، وتحرم من كل الحقوق التي كنت تتمتع بها ؟
أعتقد أنك ستحكم على نفسك بالفصل ، إذ لم تبق أهلاً لهذا المسلك الكريم. وهكذا انتسابك إلى الإسلام : أنك رضيت بالله رباً وبالإسلام يناً وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً ورسولاً.
أليس المطلوب منك أن تقوم بواجبات هذا الدين وتؤدي فرائضه وتقيم أركانه ، وتحقق انتسابك إليه بالقيام بأهل ما يأمرك به ـ والذي هو العلامة الفارقة للمسلم كالبزة العسكرية للعسكري ـ ألا وهو الصلاة المكتوبة ؟
أليس المطلوب منك أن تسمع لأوامر القرآن الكريم المنزّلة من رب العزة والجبروت ، وتعمل بها أمراً وأنت المنتسب إلى القرآن وأمة القرآن ؟
أليس المطلوب منك أن تهتدي بهدي نبيك صلى الله عليه وآله وسلم ، وتسير على نوره وتطيع أوامره أمراً أمراً ، إذ أمرك الله بطاعته ، ووصاك بإقتضاء آثاره ؟ فإذا عصيت أمر ربك ، وخالفت تعاليم نبيك ، وجعلت القرآن وراءك ظهرياً ، ونقضت عرى الإسلام عروة عروة ، وآخر ما ينتقض منها الصلاة ، والصلاة قد نقضتها أيضاً ، وضربت بها عرض الحائط ، فهل ترى بعد هذا أنك تستحق أن تسمى مسلماً ؟ وهل ينفعك انتسابك المجرد شيئاً ؟ وهل ستبقى منتسباً إلى الدين أم أنك ستجرد منه وتفصل عنه ، ويكون بينك وبينه حواجز وحجب ؟
الجواب عندي وعندك ؟ وفي حكم الشريعة الغراء واضح بيّن ومعروف .
وأقول : تخيلوا أن يذهب الطالب ، أو الموظف في الأمثلة السابقة إلى مدير المدرسة أو العمل فيقولان له : إننا نحبك أشد الحب ، ونخلص لك ، وللعمل في قلوبنا ، التي هي بيضاء نقية من ناحيتكم ، ولكننا لن نعمل ما تأمرنا... !!
تخيلوا ماذا سيكون رد فعل مدير المدرسة أو العمل أو المجتمع ؟! لا شك أنه سيتهمهم بالسفاهة ، والجنون فضلاً عن فصلهم !
فكيف ندعي حب الله ورسوله ، وننتسب إلى الإسلام في البطاقات الشخصية ، وشهادات الميلاد ، وسائر الأوراق الرسمية ، وتأبى إلا الإبتعاد عن شرع الله ، ثم إدعاء محبته ومحبة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأي سفاهة أبلغ من ذلك ؟!


الحجة الرابعة:  من تدّعي أن الحجاب تزمّت وتحتج بأن الدين يسر

حدث أن رأتني إحدى المتبرجات أرتدي الحجاب السائر لجميع الجسم على الصفة المأمور بها شرعاً في القرآن والسنة النبوية ، فقالت لي :
لم تضيقين على نفسك ، وأنت في عهد الشباب ؟ فأجبتها بأن هذا ليس تضييقاً على النفس ، وإنني أجد الراحة الكاملة عند تطبيقي لأوامر الله ؛ لأن فيها الخير والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة.
فعادت تقول لي : خفّفي عن نفسك ، فإن الدين يسر ! قالت الجملة الأخيرة بلهجة تحمل معاني شتى ، وكأنها تقول : « لا تتحجبي » ، معتقدة أن من يسر الدين التخلي عن الحجاب ، أو عن بعض شروطه على الأقل.
ولا شك أن هناك الكثيرات ممن يضعن عبارة « إن الدين يسر » في غير موضعها ، فإليهن أقول : إن تعاليم الدين الإسلامي ، وتكاليفه الشرعية جميعها يسر ، لا عسر فيها ، وكلها في متناول يد المسلم المكلف بها ، وفي استطاعته تنفيذها ، إلا ما كان من أصحاب الاعذار ، فإن الله عزّوجل قد جعل لهم أمراً خاصاً. يقول تعالى : (
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) سورة البقرة ، 185.
وإن يسر الدين لا يعني إلغاء أوامره ، وإلا فما الفائدة من فرضيتها ، وإنما تخفف لدى الضرورة فقط وبالكيفية التي رخّص لنا بها الله ورسوله ، فمثلاً يجب على المصلي أن يصلي قائماً ، ولكن إن لم يستطيع القيام فليصلّ قاعدا ، فإن لم يستطع فبالكيفية التي يقدر عليها ، كما أن الصائم يرخّص له الإفطار في رمضان إن كان مسافراً ، أو مريضا ، ولكن لابد من القضاء ، أو الفدية في بعض الحالات ، أو الفدية والقضاء في حالات أخرى ، وكل ذلك من يسر الإسلام وسماحته ، أما أن تترك الصلاة ، أو الصوم ، أو غيرهما من التكاليف الشرعية جملة واحدة ونقول : إن الدين يسر ، وما جعل الله علينا في الدين من حرج ، فإن ذلك لا يجوز ، وبالمثل الحجاب ؛ فإن تركه لا يجوز ، علماً بأن له رخصة كغيره من أوامر الشرع وهي أن الله تعالى وضع الجلباب عن القواعد من النساء ، وحتى في هذه الحالة اشترط عليهن عدم التبرج.
قال تعالى :
 (
والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم ) سورة النور : 60 .
وبالرغم من إعطائهن هذه الرخصة إلا أن الله تعالى بين أن عدم أخذهن بها خيّر لهن ، وذلك في قوله تعالى :
 (
وأن يستعففن خير لهن).
وما ذلك كله إلا لأنه من الضروري والمهم جداً أن ترتدي المرأة المسلمة الجلباب الذي يغطي جسمها كله بدون استثناء ، والذي سنبين مواصفاته فيما بعد ، فكيف تبيع النساء لأنفسهن التبرج والتعري وترك الحجاب بحجج واهية ؟
وقد أدهشني بعد هذا كله أن تقول لي إحداهن : إن إرتداء الجلباب سنة وليس بفرض. تقصد ( أن من ترتديه تكسب الثواب ، ومن تمتنع عن ارتدائه لا تأثم أو تعاقب من قبل الله ).
وقد جهلت هذه أن الله أمر به ، والأمر يستدعي الوجوب ، وأن الأحاديث النبوية فرضته ، كما أن التبرج يعتبر عكس التحجب ، ومعلوم أن الأحاديث والآيات القرآنية حافلة بذمه واعتباره من كبائر الذنوب الموجبة لدخول النار ، فهل بعد ذلك كله تجادل النساء في وجوبه وفرضيته ؟!


الحجة الخامسة:  من تدّعي أن التبرج أمر عادي لا يلفت النظر

وهذه حجة عجيبة تدّعي قائلتها أن التبرج الذي تبدو به المرأة قاسية عارية لا يثير انتباه الرجال ، بينما ينتبه الرجال عندما يرون امرأة متحجبة حجاباً كاملاً يستر جسدها كله بدون استثناء ، بما في ذلك الوجه والكفين ، فيريدون التعرف على شخصيتها ومتابعتها لأن كل ممنوع مرغوب !
ولهذه أقول : مادام التبرج أمراً عادياً لا يلفت الأنظار ، أو يستهوي القلوب ، فلماذا تبرجت ؟... ولمن تبرجت ؟ ولماذا تحمّلت نفقات أدوات التجميل وأجرة الكوافر ؟ ومتابعة الموضات أتت غيرك ؟ حتى لقد حسب ما تستهلكه النساء بملايين الجنيهات من العملات الأجنبية سنوياً والتي أثرت على الإقتصاد ، وميزانية الدول العربية.
ولو كان كل ممنوع مرغوباً حقاً لرغب الناس في أكل لحم الميتة ، والجيفة المنتنة ، إذ أن ذلك مما يمنع الشرع من أكله.
وكيف يكون كل ممنوع مرغوباً ، وأنت تأكلين الخبز يومياً ، ومع ذلك ترغبين في أكله دائماً ولا تخلو منه مائدة أو وجبة من الوجبات ؟ لو كان كل ممنوع مرغوباً حقاً ؛ أو ما يعتاده الإنسان يزهد فيه لزهدنا في الخبز مثلاً.
وكيف يكون التبرج أمراً عادياً ونحن نرى أن الأزواج ( على سبيل المثال ) تزداد رغبتهم في زوجاتهم كلما تزيّنّ وتجملن ، كما تزداد الشهوة إلى الطعام كلما كان منسقاً ، متنوعاً ، جميلاً في ترتيبه ، حتى ولو لم يكن لذيذ الطعم ؟
ولو كان التزين أمراً عادياً لما تنافس الناس في تزيين البيوت وزخرفتها وفرشها بأفخر المفروشات ، وكل ذلك لتتمتع أنظارهم ، ولما تكبد الناس مشاق السفر ، وتكاليفه الباهظة في الرحلات إلى مختلف بلاد العالم ، وكل ذلك للمتعة والتغيير ، ويزداد سرورهم كلما شاهدوا في رحلاتهم مناظر جميلة وأشكالاً متنوعة.
بل لو كان التبرج أمراً عادياً لما نهى الله عنه ، لأن الله هو الذي خلق الإنسان ، ويعلم ما يصلحه وما يفسده ، ولولا أن الفساد الحاصل من التبرج كبير لما نهى الله عنه ، ولما جعله الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من كبائر الذنوب.
أما أن العيون تتابع المتحجبة السائرة لوجهها ، ولا تتابع المتبرجة ؛ فلهذه أقول : إن المتحجبة تشبه كتاباً مغلفاً ، لا تعلم محتوياته ، وعدد صفحاته ، وما يحمله من أفكار ، فطالما كان الأمر كذلك ، فإنه مهما نظرنا إلى غلاف الكتاب ، ودققنا النظر ، فإننا لن نفهم محتوياته ، ولن نعرفها ، بل ولن نتأثر بها ، وبما تحمله من أفكار ، وهكذا المتحجبة ، غلافها حجابها ، ومحتوياتها مجهولة بداخله ، وإن الأنظار التي ترتفع إلى نورها لترتد حسيرة خاسئة ، لم تظفر بشروى نقير ولا بأقل القليل !
أما تلك المتبرجة ؛ فتشبه كتاباً مفتوحاً تتصفحه الأيدي ، وتتداوله الأعين سطراً سطراً ، وصفحة صفحة ، وتتأثر بمحتوياته العقول ، وتفسد النفوس لكونه كتاباً يحمل فكراً منحرفاً ، فلا يترك حتى يكون قد فقد رونق أوراقه ، فتثنت ، أو حتى تمزق بعضها ، إنه يصبح كتاباً قديماً لا يستحق أن يوضع في واجهة مكتبة بيت متواضعة ، فما بالنا بواجهة مكتبة عظيمة ؟!
إن هذه المتبرجة كتاب منحرف لا يحمل علماً فاضلا ، ولا فكرا مستقيما ، وإنه وإن كان يعطي تأثيراً معيناً لدى ضعاف النفوس فإن هذا الكتاب ، وأمثاله مصيرهم معروف لدى كل إنسان عاقل مهذب مستقيم تقول السيدة نعمت صدقي :
« لقد غفل الناس وخادعوا أنفسهم ، فزعموا أن التبرج قد أصبح أمراً عادياً مألوفاً ، لا يؤثر في الأخلاق ، ولا يثير دفائن الشهوات ».
كلا !... فإن الرجولة هي الرجولة ، والأنوثة هي الانوثة ، وإن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي الجانبية الفطرية ، لا تتغير ولن تتغير مدى الدهر ، وهي شيء يجري في عروقهما ، وينبه في كل من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية ، فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصمّاء المختلفة ، فتؤثر على المخ والأعصاب ، وغيرها من الأعضاء ، وهذه قواعد فطرية طبيعية لم تتغير من يوم خلق الله الإنسان ، ولن تتغير حتى تقوم الساعة ، (
ألم يك نطفة من مّني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوّى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ) سورة القيامة : 37 ـ 39.
 (
فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلاً ) سورة فاطر : 43 ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ) سورة الروم : 30 » (1)

وإليكم شهادة من طبيب يكذب الزعم القائل بأن التبرج أمر عادي :
يقول الدكتور السيد الجميلي :
« أودع الله الشبق الجنسي في النفس البشرية سراً من أسراره ، وحكمة من روائع حكمه جلّ شأنه ، وجعل الممارسة الحسية من أعظم ما نزع إليه العقل والنفس والروح ، وهي مطلب روحي وحسي وبدني ، ولو أن رجلاً مرت عليه امرأة حاسرة سافرة على جمال باهر ، وحسن ظاهر ، واستهواء بالغ ، ولم يخف إليها ، وينزع إلى جمالها ، يحكم عليه الطب بأنه غير سوّي وتنقصه الرغبة الجنسية ، ونقصان الرغبة الجنسية ـ في عرف الطب ـ مرض يستوجب العلاج والتداوي ، ناهيكم عن انعدام الرغبة تماماً... وهذا بدوره مرض عضال » .
أقول : هذه الشهادة من طبيب حجة على من يزعمون أن خروج المرأة كاسية عارية بدون حجاب لا يثير الشهوات ولا يحرك النفوس ، واعتبروه أمراً عادياً ، وكذبوا ، فإن أعلى نسبة من الفجور ، والإباحية ، والشذوذ الجنسي ، وضياع الأعراض ، واختلاط الأنساب قد صاحبت خروج النساء متبرجات كاسيات عاريات ، وتتناسب هذه النسبة تناسباً طردياً مع خروج النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة ، بل إننا نجد أعلى نسبة من الأمراض الجنسية ، ومنها : مرض الإيدز القاتل الذي إنتشر حديثاً في الدول الإباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلتاً ، وتتجاوز ذلك إلى أن تصبح همجية وفوضى ! ناهيك عن الأمراض والعقد النفسية التي تلجئ الشباب للأنتحار بأعلى النسب في أكثر بلاد العالم تحللاً من الأخلاق ، وأعظمها إباحية وفوضى كالسويد ، وغيرها من دول الغرب !

يقول أحد الشخصيّات الإسلامية :
« إن الإسلام يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف ، لا تهاج فيه الشهوات في كل لحظة ، ولا تستثار ، فعمليات ( الإستثارة ) المستمرة تنتهي إلى شعار شهواني ، لا ينطفيء ولا يرتوي ، والنظرة الخائنة ، والحركة المثيرة ، والزينة المتبرجة ، والجسم العاري ، كلها لا تصنع شيئاً إلا أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون.
ولقد شاع في وقت من الأوقات أن النظرة المباحة ، والحديث الطليق ، والإختلاط الميسور ، والدعابة المرحة بين الجنسين ، والإطلاع على مواطن الفتنة المخبوئة... شاع أن كل هذا ( تنفيس ) وترويح ، ووقاية من الكتب ، ومن العقد النفسية... شاع هذا على أثر انتشار بعض النظريات المادية القائمة على تجريد الإنسان من خصائصه التي تفرقه عن الحيوان ، والرجوع إلى القاعدة الحيوانية الغارقة في الطين ـ وبخاصة نظرية فرويد ـ ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية.

رأيت بعينيّ في أشد البلاد إباحية ، وتفلتاً من جميع القيود الإجتماعية ، والأخلاقية ، والدينية ، والإنسانية ما يكذبها ، وينقضها من الأساس... نعم شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي ، والإختلاط الجنسي بكل صوره وأشكاله ؛ أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجسدية ، وترويضها ، إنما إنتهى إلى سعار مجنون لا يرتوي ، ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والإندفاع.
وشاهدت من الأمراض النفسية ، والعقد التي كان مفهوماً أنها لا تنشأ إلا من الحرمان ، شاهدتها بوفرة ، ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه ، ثمرة مباشرة ( للإختلاط ) الذي لا يقيده قيد ، ولا يقف عنده حد.

إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق ، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته ، فالنظرة تثير ، والحركة تثير ، والضحكة تثير ، والدعابة تثير ، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات ، وذلك هو المنهج الذي يختاره الإسلام ، مع تهذيب الطبع ، وتشغيل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة ، غير تلبية دافع اللحم والدم » .


الحجة السادسة:  من تدعي أن الحجاب عادات جاهلية أو رجعية

وهذه الحجة تتداولها ألسنة التقدميين من رجال ونساء ، فهم يزعمون أن الحجاب كان من عادات العرب في الجاهلية ؛ لأن العرب طُبعوا على حماية الشرف ، ووأدوا البنات خوفاً من العار ، فألزموا النساء بالحجاب تعصباً لعاداتهم القبلية التي جاء الإسلام يذمها ويبطلها ، حتى أنه أبطل الحجاب !
ولهؤلاء أقول : إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام ، بل لقد ذم الله تعالى تبرج نساء الجاهلية ، فوجّه نساء المسلمين إلى عدم التبرج مثلهن.
فقال جلّ شأنه :
 (
وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) سورة الأحزاب : 33.
كما أن الأحاديث الحافلة بذم تغيير خلق الله أوضحت لنا أن وصل الشعر ، والتنمص كان شائعاً في نساء يهود قبل الإسلام ، ومن المعروف أنه مما تستخدمه المتبرجات ، صحيح أن الإسلام أتى فأبطل عادات ذميمة للعرب ، ولكن بالاضافة إلى ذلك كانت لهم عادات حميدة أقرها الإسلام ، فلم يبطلها ، كإكرام الضيف ، وغير ذلك ، وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبرجات كاشفات الوجوه والاعناق... باديات الزينة ، ففرض الله الحجاب على المرأة بعد الإسلام ، ليرتقي بها ، ويصون كرامتها ، ويمنع عنها أذى الفساق والمغرضين ، وإننا ونحن نتحدث عن العرب في جاهليتهم أقول : إن العصر الحديث شهد جاهلية كبرى وأنتكاسة عظمى لم تشهدها العصور السابقة ، ولا حتى العرب في جاهليتهم ، إننا مسلمون نؤمن بديننا ، ونقدس تعاليمه ، ونحب ربنا ونبينا أكثر من حبنا لأنفسنا ، ولن نتأثر بدعاوى الجاهلية الحديثة التي هي أشد من جاهلية أبي جهل ، فإذا كان التبرج في الجاهلية الآولى يتضمن إظهار المرأة لوجهها وعنقها وحليها فقط ، وتمشي بين الرجال بهذه الهيئة ، فإنه في الجاهلية المعاصرة أصبحنا نرى المرأة لا تكاد تغطي شيئاً من حرمات الله ، ونسيت أنها في حد ذاتها حرمة من حرمات الله ، وحد من حدوده ، لا يجوز أن يقربها أحد إلا أن يكون زوجها ، ولا أن يرى زينتها أحد إلا أن يكون ممن بينهم الله عزّ وجلّ في هذه الآية الكريمة :
 (
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آباءهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو أخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً اية المؤمنين لعلكم تفلحون ) سورة النور : 31.
ولست أدري كيف تسول لإنسان نفسه أن يتبجح على خالقه ، ويرمي ما أمر به من ستر وصيانة وعفة وطهارة بأنه رجعية ؟ ولماذا هذه الحملة المسعورة على الحجاب الإسلامي بالذات ولا يتكلم أحد عن حدائق العراة ، وبيوت الدعارة في كثير من ديار المسلمين ؟

تقول ايمان السباعي :
« لا أدري كيف يتأثر هؤلاء بالموقف ؟! فإذا كانت بنات أم عمارة وسمية وخديجة راضيات بلباسهن الذي لا يعيقهن عن أن يكن رجعيات !!! فما الذي يضايق التقدميين في ذلك ؟ واذا كنا نضع الحجاب ، ولا نتأفف منه ، فما الذي حشرهم في قضية فردية شخصية كهذه ؟! » (1).
ومن العجيب أن نسمع منهم الدعوة إلى الحرية الشخصية وتقديسها ، فلا يجوز أن يمسها أحد ، فلماذا يتدخلون في حرية غيرهم في ارتداء ما شاءوا من الثياب ؟!
إنها الحرب المسعورة الشعواء على كل ما يتعلق بالشريعة الاسلامية ، من أناس ليس لديهم مبدأ ولا شرفاً ولا كرامة ، يسيرون وفق أهوائهم ، ويعتنقون ما يوافق شهراتهم ، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ، ولو كره الكافرون.
إن الرجعية الحقيقية هي ما عليه هؤلاء التقدميين من إلحاد وإنكار للبعث والحساب ، بل لوجود الخالق ، وتأليههم للطبيعة والأفراد ، وكل هذه الأمور ، والأفكار الوثنية كانت قبل الإسلام ، ولما كان كل ما بعد الإسلام هو في نظرهم رجعي ، إذ أنهم يعتبرون أن التمسك بتعاليم الأديان ( ومن أبرزها تعاليم الإسلام ) رجعية ، فلنكن رجعيين ، لكنهم أشد منا تأخراً ورجعية ؛ لأن ما هم عليه من رجعية سبقت ما نحن عليه من رجعية ، وأكرم برجعيتنا من رجعية فنحن رجعنا إلى الشرف والعفة والفضيلة ، وهم رجعوا إلى الفساد والطغيان والرذيلة.

يقول الدكتور البوطي :
« إن التخلف له أسبابه ، والتقدم له أسبابه ، وإقحام شريعة الستر والأخلاق في الأمر خدمة مكشوفة ، لا تنطلي إلا على متخلف عن مستوى الفكر والنظر » (2).
ومنذ متى كان التقدم والحضارة متعلقين بلباس الإنسان ؟
إن الحضارة والتقدم والصعود إلى القمر كان نتيجة أبحاث توصل إليها الإنسان بعقله وإعمال فكره ، ولم تكن بثوبه ومظهره ، لقد دفع المفسدون المرأة التي كانت تعرف بالمرأة المسلمة إلى الحضيض ؛ عندما زعموا أن ما هم عليه من تأخر وجمود كان بسبب التزامها بالحجاب ، حتى خلعت ثيابها شيئاً فشيئاً أمام تشجيعهم وتمجيدهم ، بدءً من كشفها لوجهها ، وانتهاءً بظهورها شبه عارية في المواخير ، والمراقص ، والملاهي ، والنوادي ، وشواطئ البحار ، والمتنزهات ، وحمامات السباحة ، والمطاعم ، والشوارع ، وفي كل مكان.
ها قد خرجت المرأة كما تشتهون يا زعماء الإفساد ! الذين سماكم الله الفجار وسميتم أنفسكم زعماء الاصلاح (
وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ) سورة البقرة : 11 ، 12.
ها قد خرجت المرأة يا دعاة السوء ورؤوس النفاق ! كاسية عارية فهل تقدمنا ؟ لا بالطبع ، بل رجعنا إلى الوراء ، وازدادت حالتنا سوءاً ... خرجت المرأة متبرجة فانهار البنيان الاجتماعي ، وعم الفساد ، والفجور ، وازدادت كوارثنا الاقتصادية ، والاجتماعية ، والصحية ، والسلوكية ، والسياسية ، والخلقية ، من جميع الوجوه.
وإنه من العجيب أن نجد أن انهيار الاقتصاد في الدول الإسلامية والعربية قد صاحب خروج المرأة للعمل ، كما أنه كلما زادت نسبة النساء العاملات فيها كلما ازداد الانهيار وتضاعفت الديون ، وأصبحت رقاب العرب والمسلمين في أيدي أعداء الله ، مما يدل على أن خروج المرأة متبرجة ، وخروجها للعمل يؤدي إلى الخسارة ، وسوء الانتاج ، ولا دخل له في التقدم والتحضر ، وإنما له أكبر الأثر في التردي والتخلف !
ونقول لهؤلاء التقدميين ( نحو الحضيض ) : ها أنتم تستجدون الدول التي شغلت عقولها ، وأمتصت خيراتكم ، وتحكمت في بلادكم ، ورقابكم ، فصارت بذلك دولاً صناعية كبرى ، فأيقظوا عقولكم التي تحجرت على البلادة والخمول واللهو والترف والخمر والنساء ؛ لتلحقوا بهم وتمسكوا بشرع الله ؛ لتفتح لكم خزائن الأرض فتسبقوهم ، أيقظوا العقول لا الشهوات ، إنكم أخذتم عنهم أسوأ ما عندهم ، وظننتم أنه السبيل إلى التقدم ، وهم أخذوا أحسن ما عندنا ، كان العلم والمدنية بأيدينا يوم كانت أوربا غارقة في الظلام ، تحرق العلماء بتهمة الإلحاد ، ويوم كانت الدول الكبرى بالشرق والغرب دولاً صغرى لا تحس منهم من أحد ، أو تسمع لهم ركزاً.
لقد هزم المسلمون الأوائل الدولتين العظميتين في عصرهم ( فارس والروم ) وتقدموا عليهم ، وأذلوهم ، وصنعوا أزهى حضارة عرفتها البشرية باتباع شرع الله ، لا بالفرار منه.
هذه الحضارة التي أضاعها من خلف من بعدهم عندما أتبعوا الشهوات ، وانصرفوا عن تعاليم دينهم !


الحجة السابعة:  من تحتج بأنها ستتحجب عندما تقتنع أولاً

هذه الحجة تكاد تكون وباءً متفشياً بين المتبرجات أو أن بينهن شبه إجماع على الاحتجاج بها ، وقد وجدت في كلمات السيد سلمان مندني خير رد على هذه الحجة حيث يقول :
« إن الاقتناع قضية سببية ، يجد فيها الإنسان دافعاً لقبول الموضوع على ذهنه ، فإن اقتنع به مال إليه هواه دونما تردد أو إرجاء ، والاقتناع قوة بيد الإنسان ، يرى فيها الدليل ، والحجة على أخذ الموضوع أو رفضه ، وآيات الله تبارك وتعالى ، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وآله وسلم تأتي في أي قضية مطروحة ؛ لتقطع قول كل حكيم ، وتنهي كل جدل عقيم ، فلا تفكير ، ولا اختيار ، ولا تردد بعد ذلك في أمر أغنى الشرع فيه عن الاختيار (
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ).
فقضاء الله للأمر رحمة يرحم الله بها عباده في شأن من شؤون حياتهم ، فإن أصر الإنسان على الجدل بعد ذلك ؛ فما الجدل في حقيقته إلا رفض أوامر الله ونواهيه تحت دعوى التفكير وحرية التفكير.
ولو نظر الإنسان في إيمانه لعرف السبب ! فالإيمان هو الفيصل في هذه القضية ، وقد ربطت الآية المذكورة بين الإيمان وبين قبول الأمر المقضي ، فالمؤمن والمؤمنة لا يختاران على اختيار الله ورسوله ؛ لأن ذلك سفه وجهل ، وأما غير المؤمن والمؤمنة ؛ فإنهما يختاران على إختيار الله ورسوله ، فهذه إذن قضية إيمانية بحتة مهما تفلسف فيها المتفلسفون ، وحاول تبريرها العاجزون.
ثم يقول : وقضية الاقتناع التي تطرحها المرأة اليوم في أمر الحجاب قول فيه جهل وغرور ، فمن أين يأتي الاقتناع ؟ هل سيأتي من بحث ودراسة وتحليل آيات الله وحديث رسوله ، أم أن المرأة تنتظر أن تنزل عليها آية من السماء ، أو أن يوحى إليها ، فيترتب على ذلك إقتناعها بأمر الله ؟
ونقول لها : إن لم تقنعك آيات الله وحديث رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فلن تقتنعي إذن أبداً ، فإن أطعت وهو أحرى بك فإنك من المؤمنات الطائعات الحييات من الله ، وإن لججت في القول فهو ظلال ، وعمى البصر والبصيرة » (1).
وأقول : هل كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والذي تنزل من لدن حكيم خبير ، أو أن أقوال رسول الله صلى الله عليه وآله بحاجة إلى رأي المتبرجة القاصر وجهلها المركب ؟ إن الله لغني عنها وعن اقتناعها ، أتحسب أن أوامر الدين ونواهيه بضاعة تقتنع بشراء بعضها وترك البعض الآخر ؟! ألا تستحي هذه وهي ترفض أوامر الله بحجة أنها لم تقتنع بها بعد ؟
إنها أوامر من أوجدك من العدم ، وخلقك خلقاً بعد خلق ، ورزقك من الطيباب ، إنها أوامر من وهبك العقل الذي تريدين أن تستلهمي منه الاقتناع ، فأي جحود ونكران لفضل الله هذا ؟!
إن في آيات الله الشفاء لك من جميع الآفات الاجتماعية والنفسية وغيرها ، هبي أن طبيباً وصف لك دواءً وأمرك بشربه ، هل ستقولين له : لن أشربه حتى أقتنع بأنه سيشفيني ؟... إنني لواثقة أنك لن تترددي في شربه رغم أنه ليس مضموناً أن يشفيك من المرض ، ولكنك لم تشككي ، ولم تترددي ؛ لأنك ظننت أن في كلام الطبيب الصدق ، وأن في إطاعة أوامره صلاح جسدك وشفائك ، فكيف بالله تترددين في قبول أمر من خلقك وخلق الطبيب ، ولم تصدقي أن في أمره الخير والفلاح والصلاح ؟!
وإذا كنت لم تقتنعي حتى الآن بالحجاب الذي يضمن لك العفة والفضيلة ؛ فهل أقتنعت ورضيت بالتبرج والانحلال والرذيلة ؟! يقول تعالى :
 (
تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآيته يؤمنون * ويل لكل أفاك أثيم * يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصير مستكبراً كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم) سورة الجاثية : 6 ـ 8.
وأوجه إليك يا من اتبعت هواك ، وعصيت أمر ربك قوله تعالى : (
افرأيت من أتخذ إلهه هواه وأضله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) سورة الجاثية : 23 وقوله تعالى : ( أرأيت من أتخذ آلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً * أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلاً ) سورة الفرقان : 43 ، 44.


الحجة الثامنة:   من تحتج بعدم التحجب بسبب سوء سلوك بعض المتحجبات

إن الحجاب فريضة من فروض الدين ، كما أن الصوم فريضة ، وأن الصلاة فريضة ، وقد يحدث أن يرتكب المسلم أو المسلمة بعض الأخطاء التي لا تتفق مع مبادئ الإسلام ، كأن يصلي المرء ويأكل أموال الناس بالباطل ، أو يسعى بالفساد بين الناس ، بل ربما يتخذ الصلاة وغيرها من أوامر الدين وسيلة يتستر بها على أفعاله الخبيثة وهذا كله حرّمه الله تعالى ولا يرضى به ، ولكن الله فتح باب التوبة للجميع ، وشرع الاستغفار لعمله أن البشر عرضة للخطأ.
قال تعالى : (
ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما ) سورة النساء : 110.
عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ».
وإن المتحجبة بشر تخطئ وتصيب كذلك ، وليس المقصود من الحجاب هو عصمة صاحبته من الخطأ ؛ لان كل ابن آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ، وإن كنت أدعو كل متحجبة بأن تبتعد عما تقع فيه الكثيرات من الأخطاء : كالغيبة ، والنميمة ، وغير ذلك ، وأن تجتهد في أن يراها مخلوق إلا حيث أمر الله تعالى ، مع اجتناب نواهيه ، لأن صورتها في الأذهان تختلف كثيراً جداً عن صورة غيرها من المسلمات غير المتحجبات.
وإنني هنا لا أدافع عن أخطاء بعض المتحجبات أو حتى أهاجمهن ، بل أريد أن أوضح ان نظرتنا للمتحجبة ؛ يجب أن تكون نظرة موضوعية ، فلا نظن أنها بتحجبها تكون قد طبقت جميع أوامر الدين ، وأنها اصبحت بمنأى عن الخطأ.
وأحب أن ألفت النظر هنا ؛ أنه ما دام الحجاب فريضة على كل مسلمة ؛ كالصلاة ، وغيرها ؛ فإنه من الخطأ أن نعتبر أن كل متحجبة فقيهة في أحكام الدين ( مع أنني أتمنى أن تكون كذلك ) ؛ لأنني رأيت من النساء من تكون لها مسألة فقهية ، تريد الاستفسار عنها ، فتلجأ إلى فتاة متحجبة مع أنها يجب أن تلجأ إلى من عنده علم بالفقه ؛ لأن المتحجبة قد أتبعت أوامر الله تعالى فحسب ، وليس معنى ذلك أن يكون علمها بالشرع قد اكتمل ، وأنها مؤهلة للفتيا ، فلتحترس الأخوات المتحجبات من الفتيا بغير علم لحرمة ذلك ، ولا تخجل أن تقول لمن تستفتيها لا أدري.
ويجب ألا نصدم لأقل بادرة سيئة عن متحجبة ، فنتهم جميع المتحجبات بذلك ، أو نرمي جميع جميع أوامر الدين بأنها غير صالحة ، لأن من المتحجبات بذلك ، أو نرمي جميع أوامر الدين بأنها غير صالحة ، لأن من المتحجبات من قد تخطيء في بعض الامور ( وأكثر أخطائهن لسانية : كالغيبة والنميمة مثلاً ، فليحذرون من ذلك أشد الحذر ).
وإن التي تمتنع عن التحجب بأن تجعل من إساءة السلوك عند بعض المتحجبات حجة لها في ذلك نقول لها : إن المتحجبة المسيئة بشر أساءت ، وانت بشر أسأت ، فهي بإساءتها آثمة إلى أن تتوب ، وأنت بإساءتك آثمة إلى أن تتوبي ، ومن قال : أن تتخذي من الباقيات قدوة ، أو تنظرين إليهن نظرتك إلى الدين كله ؟
إن الدين في كتاب الله وسنة رسوله وسيرة أهل البيت ( عليهم السلام ) لا سيما سيدة النساء ( عليها السلام ) لا في فلانة وفلان ، المعرضين للخطأ ليلاً ونهاراً ، وإن وجدت في البعض قدوة سيئة ؛ فإن غيرهن الكثيرات والكثيرات ممن يعتبرن قدوة صالحة ، ويا حبذا لو تحجبت وكنت قدوة صالحة لغيرك ؛ بدلاً من أن تتجمدي على معاصيك ، ولا تحاولي تغييرها.


الحجة التاسعة : من تدعي أن الحجاب يعيقها عن العمل أو التعليم 

هناك من النساء العاملات من لا تلتزم بالحجاب الذي فرضه الله تعالى ( وهو تغطية الوجه مع ستر الجسد كله فلا يبدو منها شيء ) بحجة أنه يعيقها عن العلم أو العمل ، ولهذه المتبرجة المتعلمة أو العاملة أقول :
أما رأيت أن الطبيب أو الطبيبة ، أو الممرضين أو الممرضات الذين يدخلون إلى غرفة العمليات ؛ لإجراء أدق عمل وهو العملية الجراحية مكممي الوجوه ، فلا تبدو سوى أعينهم ، وكأنهم يرتدون النقاب ؟ بغض النظر عن الهدف من ذلك ( وهو منع الجراثيم من الانتشار من الطبيب ومعاونيه إلى موضع الجرح أما النقاب الإسلامي فهو لستر وجه المرأة منعاً للفتنة والغواية ).
أقول أن الهدف مختلف ، ولكن الوسيلة واحدة ، وهي النقاب ، فهل يعيق النقاب عن عمل عملية جراحية دقيقة جداً ، وبالأخص في جراحات المخ والعيون ، بالإضافة إلى سائر العمليات الجراحية التي تتطلب الدقة والحذر المتناهي في تنفيذها ؟
بالطبع لا ، فكيف إذن تدعي المتبرجة أن النقاب يعيقها عن العمل الذي هو أدنى بكثير وبمراحل كبيرة من العمليات الجراحية ؟!
وفي بعض البلاد التي تلتزم بستر المرأة ، نجد ان بعض المشتغلات في حقل التدريس من معلمات وطالبات ، يخرجن من يبوتهن بالحجاب الذي يسترهن ، ثم يخلعنه في المدرسة ، ويجلسن للتدريس ، أو لتلقي العلم إما السافرات ؛ أو متبرجات أمام المعلمين ( في المدارس ذات الهيئة التدريسية المختلطة ) حيث توهم الطالبات بانه لا حرمة عليهن في الكشف على المعلمين الرجال لضرورة العلم ولأن المعلم أخ كبير للطالبات.
فإلى هؤلاء أقول : إن السلام حرم تبرج المرأة ، أو سفورها بوجهها أمام الرجال الأجانب ، إلا لضرورة ملحة : كالخطبة ، أو الشهادة في المحكمة ، أو التداوي ، وفي هذه الحالات تكشف عن الجزء المطلوب فقط بدون تبرج.
أما أن المعلم أخ كبير لها ، فنقول : إن جميع المؤمنين إخوة لبعضهم بعضاً كما ورد في الذكر الحكيم :
 (
إنما المؤمنون إخوة ) ( سورة الحجرات : 10 ).
ومع ذلك أمر الله نساء المؤمنين بارتداء الجلباب ، فلا ينبغي تبرير الكشف على المعلم ، أو زملاء العمل بهذه الحجة الواهية ، وإلا جاز الكشف على جميع الرجال الآخرين من المؤمنين ، وهذا معلوم حرمته.


الحجة العاشرة:  من تدعي أنها لا تطيق الحجاب بحجة الحرارة أو الصداع  

هناك من تحتج بأنه يصعب عليها تحمل الحجاب ؛ لأنه ـ كما تزعم ـ يكتم على أنفاسها ، فلا تطيقه بسبب الحرارة ، ولهذه نقول :
ما دمت لا تطيقين الحجاب ، فهل ستطيقين نار جهنم ؟ يقول تعالى : (
قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون ) سورة التوبة : 81.
وكذلك من تحتج بأنها تشعر بالصداع لو غطت وجهها ورأسها ، أقول لها : لا داعي إذن لخروجك وتعرضك للرجال ، أو أصبري على طاعة الله ، ونفذي أوامره ، وتذكري قوله تعالى : (
رب السماوات والارض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً ) مريم : 65.
وقوله تعالى : (
والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا الحق وتواصوا بالصبر ) سورة العصر : 1 ـ 3.
وكيف لا تصبر هذه على الحجاب ، وهو أمر بسيط بجانب ما كان يلقاه المسلمون الأوائل من ضر وأذى من المشركين ؟ كيف بالله لو رأت هذه المتبرجة ما رأوه ؟ إذن لكفرت بالله ، وارتدت عن الدين ما دامت لا تصبر على تغطية جسدها حفظاً وإكراماً لها ، أتعصي أمر ربها وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأجل ثوب أمرت بارتدائه ؟!
كيف بالله ستتصرف هذه أمام باقي التكاليف الشرعية ، أو لو عُذبت في سبيل دينها ؟! عن أبي عبد الله خباب بن الأرت شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعوا لنا ؟ فقال : « قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل ، فيحفر له في الارض ، فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار ، فيوضع على رأسه ، فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، ما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون » ليكن في ذلك عبرة لك يا من يصدع رأسك من الحجاب ! ألا تصبرين ، وقد صبر من قبلك على شق رؤوسهم لا تصديعها ؟!
إن التي امتلأ قلبها بحب الله ورسوله ، وأهل بيته ( عليهم السلام ) وأصرت بصدق على أتباعهم تجد كل ما تلقى في سبيل الله هنيئاً ، أفلا تكونين كذلك ؟


الحجة الحادية عشرة:  من تتبرج لتغري الشباب بخطبتها ، أي بهدف الزواج منها :

يحدث أن تتبرج الفتاة لكي توقع في شباكها خبيثاً من الخبثاء ممن يروق لهم الزواج بمتبرجعة خبيثة ، فتتزين كما يزين التاجر بضاعته ، وتعرض نفسها في أسواق الرجال ؛ كي تجذب المشترين ، وتبذل كل ما في وسعها وما لديها من كيد عظيم حتى تحصل على فريستها أو تعود بخفي حنين ، تجتر آلامها وخيبتها ، وتندب حظها العاثر وبقاياها المهملة ، ولهذه أقول : إنك أزريت بنفسك ، ونالك الكثير من الإثم ، بل ارتكبت أمراً من كبائر الذنوب وهو التبرج في سبيل هدف قد يتحقق وقد لا يتحقق ، فإن تحقق ، فاعلمي أن الرجل الذي إختارك زوجة له من أجل تبرجك ، فإنه سرعان ما سيخونك ، أو سيتركك إلى غيرك ليتزوج منها ، أو على أقل تقدير لن تنالي السعادة المنشودة التي تطلبها كل فتاة بالزواج ، وذلك عندما يجد أخريات أجمل منك ؛ لأنه سيلهث وراءهن حيث أن هدفه طلب الجمال فحسب بل إن الأمر سيتفاقم كلما كبرت في السن ، وذوى جمالك شيئاً فشيئاً بسبب الحمل والولادة ومسؤوليتك البيتية ، التي لا تعتبر أمراً هيناً على الاطلاق ، وعندها سيشعرك أنك لا تساوين شيئاً ، وستذهب نفسك حسرات وأنت ترين زوجك يلاحق الاخريات ؛ لأن من تزوج بمتبرجة لا يؤمن جانبه ، كما أنه من المعروف أن المرأة كلما تقدمت في السن زهد فيها الرجال شيئاً فشيئاً ، ولكن الأمر بالعكس بالنسبة للرجل إذ أنه يجد في جميع مراحل عمره من ترضى بالزواج منه ، ويكون في غالبية الأحوال قادراً على الإنجاب.

ومن العجيب أن هناك نسبة كبيرة من الأمهات ـ وبعضهن متدينات ملتزمات بما أمر الله به من أوامر شرعية ومنها ستر الجسم ، يدفعن بناتهن للتبرج دفعاً ، ويعملن على إبرازهن أمام الشباب بشتى الوسائل ، وتترك الواحدة منهن ابنتها تمشي إلى جوارها في الشارع ، مسترسلة الشعر ، مرتدية لأحدث الأزياء التي تصبح فيها كاسية عارية ، مصبوغة الوجه ، متكلفة الهيئة ، وكأنها عروس ستزف إلى عريسها ، فتبدو صورة الأم المحجبة وابنتها المتبرجة صورة نشاز تقزز النفس ، وتثير السخرية والاستهزاء ، وعزر الأم في ذلك أنها تخشى أن يحجب الحجاب عن أبنتها الخطاب. أجهلت هذه الأم أن الزواج أمر مقدر من الله وليس الإغواء والإغراء ؟!

ومن ناحية أخرى قد تكون الابنة تريد التحجب والالتزام بشرع الله ، فتمنعها والدتها كما شكت لي الكثيرات ، بل لقد وصل الأمر من بعض الامهات إلى منع بناتهن من الصلاة ؛ خشية أن تشتهر بأنها من ذوات الدين ، فينفر عنها الشباب ( كما تعتقد أمهاتهن الجاهلات ) ، ولقد تجاوز هؤلاء الأمهات الفاسقات الحد عندما هددت بعضهن بناتهن المسكينات بالغضب عليهن ، فتحتار تلك الفتاة وتنهشها الصراعات النفسية بين إرضاء ربها وأمها. ولهذه الأم أقول : أين حبك وحنانك لإبنتك ؟ هل حبك لها يكمن في أن تعرضيها للمهانة وغضب الله في الدنيا والآخرة ؟ ألم تفكري بأنك تغرقين أبنتك في أوحال الخطايا بدفعك أو بتشجيعك لها على التبرج ، وإن كانت ابنتك تريد التحجب وتمنعينها ، أما استحيت من الله وأنت تصدين عن سبيله ؟ عجباً لك وأنت تتركين ابنتك فريسة سائغة ، تلتهما عيون الرجال ، وتشتهيها ، ثم تعرضيها لغضب الله ونقمته ! إن من تحب ابنتها لا تقذف بها إلى نار جهنم ، والله تعالى يقول :
 (
يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) سورة التحريم : 6.
وإن صلاح الابناء يعود على الآباء حتى بعد موتهم. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إذا مات الإنسان انقطع عمله ؛ إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ».
فالاحرى بكِ أيتها الام ! أن تجعلي من ابنتك إنسانة صالحة ، تقر عينك بصلاحها في الدنيا ، وتكون مصدراً للحسنات لك بعد انقطاع عملك بانتهاء أجلك ، في وقت تكونين فيه في أمس الحاجة إلى الحسنات ، تدعو لك هذه الابنة الصالحة ، فيستجاب دعاءها ؛ لصلاحها ، بعكس ما لو أفسدت ابنتك بدفعها للتبرج ، فإنها وإن دعت لك لن يستجاب دعاؤها بمشيئة الله ، فضلاً عن أنه يأتيك وزر دفعها إلى الضلال ، ووزر الإخلال برعايتها ، وتربيتها تربية صالحة.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « من دعى إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه ، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً »
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته ».
أما أنتِ أيتها الابنة ! التي تدفعك أمك إلى التبرج ، فعليك أن تكلميها بالحسنى أولاً ، وتفهميها مدى الإثم الذي ستناله بفعلها ذلك ، فإن اصرت على موقفها ؛ فلا تطيعيها ؛ لأنه « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » ، وإن هددتك بأنها ستغضب عليك ؛ فلا تهتمي لذلك ؛ لأن غضبها لن يؤثر فيك أبداً ، ولن يتسبب في إغضاب الله عليك ، فالله يغضب لانتهاك حرماته ، ولا يغضب لغضب الظالمين أو يستجيب دعاءهم ، وأمك ظالمة لنفسها بدعوتك للمنكر ، وظالمة لك بصدها إياك عن طاعة الله عز وجل.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم » وفي هذا الحديث وعيد للذي لا ينصح الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأن الله سيرسل عليه عقاباً منه ، كما أنه لن يستجب لدعائه ، فما بالنا بالذي يصد عن المعروف ، ويأمر بالمنكر ؟! لا شك أن العقاب في هذه الحالة أشد ، وعدم إستجابة دعائه أولى ، فلا تخش من تريد التحجب وتمنعها أمها أو أولياء أمرها من دعائهم عليها ؛ فإنه غير مستجاب بإذن الله تعالى.


الحجة الثانية عشرة: من تحتج بأن زوجها يدفعها للتبرج أو تغيير خلق الله 

وهذه إما أن تكون متبرجة قبل الزواج وهداها الله ؛ فأبى زوجها إلا أن تستمر على الصورة التي تزوجها عليها ، أو أن تكون متدينة تزوجت بفاسق ، فأراد أن يفسد عليها دينها ، مع أنه كان من الاحرى بها أن تختار إلا رجلاً صالحاً ، لا أن تتزوج كيفما اتفق ، ثم تعاني بعد ذلك من فساد زوجها وانحلاله ، وعلى جميع الوجوه نجد أن المرأة في هاتين الحالتين تخشى من عدم إرضاء زوجها ، ومن إفساد حياتها العائلية ، بالإصرار على الحجاب الذي يرضاه الزوج ، ولهذه نقول : إن عليها أن تكلم زوجها بالحسنى ، وترشده إلى أنها تخشى عليه من عقاب الله إن هو أصر على منعها من التحجب ، وأبى عليها إلا أن تسير متبرجة ؛ ليعرض لحمها على زملائه ، ويريهم أنه إنسان عصري متحضر ( لأن مثل هذا يعتقد أن التحضر والتقدم بالتبرج والتعري ) ، ويثبت لهم أنه إنسان اشتراكي ، جعل زوجته ملكاً للجميع ، بينما لو عقل هذا بعض الشيء ، لوجد أن ما يفعله فوضى وهمجية وإنحلال وتفسخ وبهيمية ورجعية وردة إلى عهود ما قبل التاريخ ، إلى عصر الإنسان الحجري ، الذي كانت تسير أنثاه كاسية عارية بجواره ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : « ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق والديه ، والديوث الذي يقر الخبث في أهله » (1).
فإن أبى ذلك ، وأصر على موقفه ، لتعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وإن إرضاء الزوج لا يكون بارتكاب المعاصي ، وإنما بالسمع والطاعة له فيما يأمر بما ليس فيه إثم ، بالقيام بواجباته ، وإعطائه حقوقه كما بينها الله تعالى في القرآن والسنة ، وإن التي تعتقد أنها بتبرجها أمام الرجال الأجانب إرضاء لزوجها ولكي يزداد إعجابه بها ـ تعتقد أنه لن يلحقها إثم ، وأن مسؤوليتها وإثمها يقعان على الزوج ـ تعتبر جاهلة ؛ لأن الحياة مليئة بتجارب من سبقها ، فلتنظر هل سعدت جميع المتبرجات والمغيرات خلق الله في حياتهن ؟! إن السعادة لا تكتسب بارتكاب الآثام ، ولن يتحمل أحد مسؤولية أحد أبداً ، وقد حذرنا الله تعالى من أمثال هؤلاء الأزواج ، فقال جل شأنه : (
يا أيها الذي آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم ) سورة التغابن : 14. وقال تعالى ( قل إن كان آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجرة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى تأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) سورة التوبة : 24.
ويوم القيامة لن ينصرها زوجها ، الذي تعهد في الدنيا بتحمل إثمها لو أطاعته في المعاصي التي يريد منها ارتكابها ، بل سيفر منها ، وينشغل بنفسه عنها ، يقول تعالى :
 (
يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكي أمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) سورة عبس : 34 ـ 37.
ويقول تعالى : (
وما أدراك ما يوم الدين * ثم ما أدراك ما يوم الدين * يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والامر يومئذ لله ) سورة الإنفطار : 17 ـ 19.
وإنه على أسوأ الاحتمالات ، عند وقوع خلافات بين الزوجين ، واستحكام العداء ، والخوف من الفرقة ، وتعريض الحياة الزوجية للإنهيار ، إن أصر كل منهما على موقفه ، فإن الحل لذلك نتبينه من قوله تعالى :
 (
وإن إمرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير واُحضرت الانفس الشح وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ) سورة النساء : 128.
ويقول تعالى : (
وإن خفتم شقاقاً بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيراً ) سورة النساء : 35.

ملاحظة هامة :
هذه الملاحظة أسوقها لمن يسيئون فهم الكلام ، ويخرجونه عن معناه ، وهي أن ما ذكرته من إصرار الزوج على تبرج زوجته ، لا يتعلق بتبرجها له ، بل لغيره من الرجال الأجانب، وهذا الزوج ديوث فاسق ، من الذين يدعون الحرية والتقدمية ( البهيمية ) ، أو يريد التباهي بجمال زوجته ، فيريد عرضها على زملائه ومعارفه ، أو يكون من رجال الأعمال الذين ينتهزون الفرص بدعوة أكابر القوم إلى بيته ، ويقيم لهم الولائم ، ويحض زوجته على التبرج وملاطفة ضيوفه ، ولو كانت تلك الملاطفة على حساب عفتها وفضيلتها ! وذلك لكي تغري رؤساء زوجها في العمل بترقيته إن كان موظفاً ، أو بعقد الصفقات معه ، ولست بحاجة إلى أن أبين حرمة ذلك الفعل ؛ لأنها معلومة لدى الجميع.
أما أن تتبرج المرأة لزوجها ؛ فإن ذلك لا يسمى تبرجاً ، بل تزيناً ، وإنه مما حض الشرع عليه ، وأمر به أهل البيت عليهم السلام ذلك كله لأن للمرأة حرية ، وليست ملكاً مشاعاً للناس ، بل جعلها الله عز وجل ملكاً حلالاً لمن أخذها بأمانة الله ، واستحلها بكلمة الله عز وجل ، وهذا تكريم لها ، فلها أن تتجمل لزوجها كما تشاء داخل بيتها ، وإلا فما معنى أنها حد من حدود الله ؟ أي تتصرف وفق أوامر الله عز وجل ، فهي هنا متزينة لأمر حلال شرعه الله ، وهناك محجبة لأمر حرام حرمه الله .


الحجة الثالثة عشرة : من تخجل من الحجاب وتخشى سخرية الناس منها لو أنها تحجبت

عجباً لمن تخجل من الحجاب ! أتخجل منه ، ولا تخجل من نظرات الرجال إلى جسدها ؟ ألا تخجل من عرض مفاتنها رخيصة أمام البر والفاجر ؟ أتخجل من الفضيلة والشرف والحياء ، ولا تخجل من الوقاحة والاستهتار ومعصية الله ؟ ومن أي شيء تخجل ؟ إن هذه الفتاة المخدوعة تردد أنها تخشى أن يسخر الناس منها ، وأي أناس هؤلاء الذين تحسب لهم حساباً ، وتقيم لها وزناً ؟!! إن هؤلاء الذين يسخرون من المتدينين والمتدينات ( ممن يبتغون طاعة الله ورسوله ) ، يعتبرون كفاراً مجرمين ، وإن انتسبوا إلى الإسلام بالاسم ، فتسموا بالمسلمين ، فإن الإسلام منهم بريء ، ولتسمعوا قول الله فيهم :
 (
ولئن سألتهم لقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين * المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون * وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم ) سورة التوبة : 65 ـ 68.
إن من استهزأ بحجاب المرأة المسلمة ، أو لحية الرجل المسلم ، أو غيرهما من الأمور التي أمر بها الله ورسوله ، هو بمقام من أستهزأ بالله وآياته ورسوله ؛ لأن السخرية والاستهزاء بالاوامر هي سخرية بالآمر ، وإن أردت بيان ذلك للمستهزئين تجدينهم يقولون : « إننا كنا نمزح معكم » ، فهل المزاح اعتذار يبررون به فعلهم الدنيء هذا ؟! إن الله لا يقبل عذرهم ، بل وصفهم بانهم مجرمون ، وانهم منافقون ، ودمغهم بالكفر والردة عن الإيمان ، ولعنهم ، وجعل النار مأواهم ، لهم فيها عذاب مقيم ، لا يرفع عنهم كما أن الله تعالى توعدهم بقوله :
( فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاءً بما كانوا يكسبون ) سورة التوبة : 82.
أي فليضحكوا قليلاً في الدنيا حتى انتهاء آجالهم ، وهي فترة قصيرة بالمقارنة مع الآخرة ، وليبكوا في الآخرة كثيراً ؛ لأنها هي الحياة الخالدة الدائمة ، وعذابها هو العذاب المقيم.
إن من يسخر منك يا اختاه ! لا تأبهي له ، ولا يثنيك عن عزمك على التحجب ، إن هؤلاء أدنى من البهائم كما وصفهم الله تعالى في آيات كثيرة ، فهل تخجلين من البهائم ؟ صُمّي أذنيك عن سماعهم ، واستمعي لنداء الله ؛ لأن فيه سعادتك ، ونجاحك في الدنيا والآخرة ، ردي على المستهزئين بما علمك الله أن يقال ، قولي لهم :
 (. ..
إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم ) سورة هود : 38 ، 39.
لقد حدث أن رأتني بحجابي مجموعة من الفتيات ، فتعالت ضحكاتهن ؛ لأنهن لم يتعودن على رؤية الحجاب الشرعي الصحيح ، فالتفت إليهن قائلة ما علمني إياه الحق جل شأنه :
 (
إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ) .
فوالله لقد بهتن جميعاً ، ووجمن ، ثم أقبلن نحوي بالاعتذارات المختلفة. .. وهكذا تكون عزة الإسلام ، أعلميهن أنهن اللاتي في موضع السخرية والاستهزاء ، وأنك لم تهتزي أو تتألمي لسخريتهن ، فتعود سهامهن المسمومة إلى قلوبهن.
واصبري يا اختاه ! على طاعة الله ، وتذكري أن شروط الفلاح أربعة متلازمة بينها الله تعالى في سورة العصر بقوله تعالى :
 (
والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. ).
إن الله تعالى بين أن الناس جميعاً في ضلال وخسران ؛ إلا من تتحقق فيهم هذه الشروط الأربعة ، وهي أن يكونوا آمنوا ، ثم كملوا إيمانهم بالعمل الصالح ، ثم كملوا غيرهم عن طريق التواصي بالحق ، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم صبروا ؛ لأن من آمن ، وعمل صالحاً وأمر الناس بالمعروف ، ونهاهم عن المنكر ، لا بد وأن يلقى من يحاول رده عن عزمه ، أو يخسر منه ومن عمله الصالح ، ويثبطه بمختلف الأقاويل ، كأن يقال عن الحجاب : تأخر ورجعية مثلاً ، ولهذا كانت الخاتمة الطبيعية لشروط الفلاح التي لا بد أن تتحقق جميعها لا بعضها فيمن أراد أن يفوز ويفلح وينجو من عقاب الله ؛ هي التوصية بالصبر ، فكأن الصبر ربع الدين ! هو للإيمان بمنزلة الرأس من الجسد بتعبير أمير المؤمنين عليه السلام وكيف لا تصبرين على سخرية الناس ، وتزيينهم لك يترك الحجاب وغيره من الأمور الشرعية ؟ والله تعالى يبين لك أن غرضهم إفسادك وإمالتك إلى طريق الشهوات والمنكرات ، يقول تعالى :
 (
يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً ) سورة النساء : 26 ، 27.
وكيف لا تصبري ؟ ولا تؤثر فيك سخرية هؤلاء المجرمين ، والله تعالى يقول :
 (
إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حفظين * فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الارائك ينظرون * هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ) سورة المطففين : 29 ـ 36.


الحجة الرابعة عشرة :  من تخشى على نفسها من الجنون لو التزمت بأوامر الله

وهي حجة مضحكة مبكية ، فقد روج أعداء الدين منذ القدم فكرة أن التفقه في الدين يؤدي إلى الجنون ، وألفوا بعض الكتب المليئة بالخرافات ، وبعضها عن كيفية التعامل مع الجن وتسخيرهم للإنسان القائم بذلك ، وعن الطلاسم التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وكيفية استخدامها ، وطرق قراءة الكف ، ومعرفة أسرار النجوم ، ولقد وضعوا في تلك الكتب بعض الآيات القرآنية تمويهاً للقراء ؛ ليعتقدوا أن كل ذلك أتى به الإسلام ، ومن هذه الكتب على سبيل المثال ( شمس المعارف الكبرى ) للبوني ، فإذا أدت هذه الكتب إلى إصابة المتعمقين فيها والعاكفين عليها بالجنون ؛ فإن ذلك شيء طبيعي ، ألم يقل الله تعالى : ( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً ) سورة الجن : 6.
وهناك بعض الكتب التي ألفها المارقون من الدين ، ونسبوها زوراً إلى كبار علماء الإسلام ؛ ليغروا الناس بالإطلاع عليها ، ويشغلوهم بها عن القرآن والسنة ، مثل : كتب « الرحمة في الطب والحكمة » المنسوب زوراً إلى العالم الجليل مفسّر القرآن « السيوطي ».
ولكن عامة الناس لم يدركوا حقيقة الأمر ، واعتبروا أن كل هذه الكتب من صميم الدين ، وأن الإضرار الناشئة عنها هي بسبب التفقه في الدين ، ولقد سادت هذه الفكرة المسمومة بين مختلف الأوساط من جهلاء ومثقفين ، لدرجة أن ابنة عالم كبير في بلدتنا ، وهي فتاة جامعية ، سألتني عن مسألة بسيطة جداً تتعلق بالطهارة ، قالت : إنها تخجل من أن تسأل فيها والدها ، فقلت لها : إن هذه المسألة موجودة في الكتب الفقهية التي تزدحم بها مكتبة والدك ، فلو فتشت قليلاً لوجدتيها ، فقالت لي : أخشى من التعمق في هذه الكتب ؛ لأنني بنت ، وأخاف على عقلي من الضياع !!!
وقد حدث أن زارتنا سيدة متقدمة في السن ، فرأتني أحمل كتاباً ضخماً من كتب الفقه ، وأفتش فيه عن مسألة من المسائل الفقهية ، فقالت لي مشفقة محذرة بعد أن أخذت تحدق فيّ لفترة طويلة : كفاك يا ابنتي ! تقليباً في هذا الكتاب ، ومن التعمق في الدين ، وإلا خشينا على عقلك من الضياع !!
فعجبت جداً ! وحاولت إفهامها أن التعمق في الدين ، وفهمه ، والعمل به يصلح العقول ولا يذهبها.
فلم تفهم المرأة ، ولن تفهم ؛ لأن أعداء الدين روجوا هذه الفكرة ، ففعلوا بها ما يشبه غسيل المخ لدى الكثيرين ، ولم تضرب لي المرأة مثالاً لأن ما من أحد جنّ من الدين.
إن الجنون آفة تطراً على العقل ، فتغير السلوك والتصرفات ، وهذه الآفة معرض للإصابة بها أي إنسان ، ولا دخل لها بدينه أو معتقداته ، أفلا تجدون في الأوروبيين وغيرهم من يفقد عقله ؟ لقد استشرى بينهم الجنون وسائر الأمراض النفسية ؛ بسبب ولوغهم في حماة المعاصي والفسق والفجور ، إن الجنون يأتي بسبب الإبتعاد عن منهج الله فيصيب ذلك الجاحد التافة الغارق في ملذاته ، والذي قضى على عقله بالخمر والنساء وغيرهما من المغريات المادية الشهوانية ، وقد يأتي الجنون بسبب مشكلات عائلية مستعصية على الحل ؛ لكثرة التفكير فيها والعجز عن حلها ، وقد يأتي بالسحر وبطرق أخرى لا علم لي بها ، المهم أنه قد يصاب المسلمون بالجنون كغيرهم ؛ لأنه آفة ، ومرض يصيب العقل ، كما تصيب سائر الأمراض جميع الناس دون تفرقة بين مسلم وكافر ، فلا دخل للدين في هذا الأمر ، وإنه لمن الخطأ أن ننسب إلى المتدينين وحدهم ذلك المرض ؛ لأن في نشر هذه الفكرة المسمومة صدّاً عن سبيل الله ، وذلك حرام شرعاً .
أما من يعرفون بـ « الدراويش كالسلفيّة ومن لفّ لفهم » والذين تجدونهم يملأون أضرحة الأولياء والصالحين ، ويتصرفون كالمجانين ، حتى أن البعض يسميهم : « مجاذيب » ، فإن أفعالهم ودروشتهم ليست من الدين أصلاً ، بل هي أفعال بلهاء ناقصين ، ابحثوا في تاريخ الإسلام ؛ لتعرفوا حقيقتهم ، هل سمعتم أن أحداً من المعصومين ( ع ) فعل أفعالهم ؟ هل قرأتم حديثاً نبوياً أو آية قرآنية تأمر بذلك ؟ إن هؤلاء محسوبون على الإسلام ، بينما هم مخرفون متبعدون عن نهج الله ، يتمسح بهم ، ناقصوا العقل والدين ، ويعتقدون فيهم الصلاح والتقوى ، بينما تجد أحدهم لا يصلي ولا يصوم ، ويقيمون موالد للأولياء ، تختلط فيها النساء بالرجال ، ويتزاحمون بالمناكب ، وغير ذلك من الأمور المنكرة ، فضلاً عن اعتبارها أعياداً للفسق والفجور.
وذلك ليس موضوع بحثنا الآن ، وإنما أحببت أن أذكر شيئاً منه حتى أبيّن أن تلك الأفعال ليست من الدين ، فلا يعتقد البعض أن هؤلاء تعمقوا في الدين فجنّوا ، وإنما جنّوا من جهلهم بما أنزل الله وبما شرع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن هؤلاء أخطر على الدين من اليهود والنصارى ، فكيف بالله ندفع من تريد التفقه في أمور دينها بهذه التهمة الباطلة ؟ فكلما طبّقت شيئاً من أوامر الدين ، وتقدمت في الطاعات قيل لها : توقفي وإلا جننت !
إن هذه التهمة الباطلة ألصقها الكفار من قبل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لينفّروا الناس من اتباع هديه ، فهل كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الذي هدى الله على يديه الأمة ، وكان أعلم الناس بالله ، وأخشاهم له ، وقاد أمة بدأت حياتها بالفقر ، ورعي الغنم ، فرفعها الله بالاسلام ، حتى فتحت لها مشارق الأرض ومغاربها ، وسطعت لها شمس حضارة لم تغرب إلا عندما ابتعد المسلمون عن دينهم ، فهل من فعل ذلك كله يعتبر مجنوناً ؟ حاش الله !! لقد صور الله تعالى قولهم هذا في سورة القلم بقوله : ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون * وما هو إلا ذكر للعالمين ) ( سورة القلم : 51 ، 52 ).
وهناك آيات أخرى تذكر تلك التهمة الباطلة النابعة عن حقدهم ومكرهم ، ولكن الله تعالى يوجه رسوله إلى عدم الإلتفات إلى أقوالهم المغرضة ، ويصف جل شأنه ما وهبه لرسوله صلّى الله عليه وآله وسلم من علم بأنه نعمة من الله ، يقول تعالى : ( فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ) الطور : 29.
فلتعتبري يا من أردت التحجب وتوقفت ! فلا تدعي أقوال من تشبهوا بكفّار الجاهلية الأولى ، تؤثر فيك ، وتثبط عزمك وليكن لك في رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة ، فقد أوذي بهذه التهمة وغيرها ، فصبر حتى نصره الله ، وأعزه ، وأذل الكافرين.


الحجة الخامسة عشرة :  من تحتج بأنها ستتحجب عندما تكبر
 
وهناك صنف أخر من النساء إذا ما نهيتهن عن التبرج وأمرتهن بما أمر به الله ورسوله من الحجاب وسائر أمور الدين بادرن بالقول :
«
ستتحجب أو ستصلى أو... أو... ولكن عندما نكبر !... نريد أن نتمتع بشبابنا وبالدنيا ، والأيام آتية للصلاة والحجاب وغيره » !!
فأقول : هل علمت تلك المتبرجة أن الأجل سيمهلها إلى أن تكبر ؟ وهل فترة الشباب رخصة للمعاصي والسفور والمتعة الحرام ؟
هل ضمنت هذه العيش إلى أجل حددته هي ، فأجّلت له الطاعات ، وبادرت اليوم بإرتكاب الفواحش والمنكرات ؟ ألم تري أن الموت لا يفرق بين صغيراً وكبير ، بل أن هناك من يولد ميتاً قبل أن يرى نور الحياة ، فإنما هي آجالنا حسبت ، وحددت لنا من قبل الله سبحانه وتعالى القائل جل شأنه : (... فإذا جآء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) سورة النحل : 61.
وحتى لو مدّ الله في أجلها فمتى ستتوب ؟ إن من شروط التوبة العمل الصالح الذي يناقض العمل القبيح الذي كانت عليه ، وإن عملها القبيح ـ وهو التبرج ، وترك الحجاب ـ إنما يعطي تأثيره الضار على المجتمع ، من إثارة للفتن والغرائز في فترة محددة من العمر ، هي بصفة عامة فترة الشباب ، أما في فترة الشيخوخة عندما يذبل جمالها ، وتذوي نضارتها ، وتصبح من القواعد من النساء ( لو مد الله في عمرها ) ؛ فإنه لن تجري تحجبها فتيلاً ؛ لأنها لن تغري الناظرين إليها ، بل إن الله تعالى رخّص لها في هذه السن خلع الجلباب ، فكيف بالله ستكتمل توبتها ، أو حتى يقبلها الله تعالى في زمن لا يؤهلها لذلك ، فالشباب ولّى وذوى ؟... وهيهات أن يعود مهما تحايلت لإستبقائه بالمساحيق وأدوات الزينة.
بل كيف ستكفر عن الأيام السالفة من عمرها ، وهي بدون الحجاب ، وقد بدأ الله يحاسبها منذ البلوغ ، خاصة وهي تعلم حرمة ذلك الفعل ، ولكنها تصر عليه ؟!


الحجة السادسة عشرة : من تخشى على نفسها من السجون إن تحجبت

وهي حجة لها أسبابها التي تشكل الهزيمة الكبرى والتخاذل أمام أعداء الله ، إنها هزيمة رأس الأمة وجسدها أمام قوى الشر والعدوان ، المتمثلة في موالاة الكفار وتنفيذ أوامرهم ، حرصاً من أصحاب السلطان على سلطانهم ، وتكالباً على الدنيا ، وحتى ولو كان في هذه الأوامر ما يضر بالمصالح العليا للامة الإسلامية !
وإنّ حجاب المرأة المسلمة الذي حيكت من أجل إزالته الدسائس والمؤامرات ، ورسمت لإبادته أعتى المخططات ، هو من أشد الامور إيذاءً لأعداء الله في الشرق والغرب ؛ لأن في إظهاره وانتشاره إظهاراً لإسم الإسلام ، وإعلاءً لكلمة الله التي تعلم القوى الشيطانية الآدمية أنه لا قاهر لها أبداً ، ولما بذلت المساعي ، واستنزفت الجهود الجبارة ؛ لإفساد المرأة المسلمة ، وتعريتها من حجابها ، لإمالة الامة ، وإضاعتها حتى لا تقوم لها قائمة ، ولا يصبح للإسلام قوته وسلطانه فإن أعداء الله فوجئوا مفاجأة كادت تذهب بعقولهم ، وتزلزل نفوسهم ، وهم يرون عودة ظهور الحجاب في المجتمع الإسلامي بعد غياب قصير ، فقد غاب الحجاب ، ثم ظهر في نفس القرن من الزمان ، وظهر من جديد ليؤكد أن المرأة المسلمة التي خلعت حجابها لم تستطع بفطرتها السليمة الإستمرار في تلك المهزلة ، التي جعلت فيها ألعوبة بأيدي الفاسقين ، ورصاصة يطلقها المغرضون في كبد أمتها ، ودينها ، وشرفها ، وعفتها ، وإبائها.
وما إن عادت المرأة إلى حجابها حتى تحركت الوفود ، واهتزت العروش ، وصدرت الأوامر من أعداء الله في الشرق والغرب ؛ إلى عملائهم ممن يتسلمون زمام الأمور في بعض البلاد الإسلامية والعربية بخنق الحجاب ، وخنق الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، وتمزيق الداعين لذلك شر ممزق ، فقالت السلطان اللآثمة العميلة : « سمعنا وأطعنا ».
فأطلقت الإعلام الشرس ؛ ليشوّه صورة المتمسكين بشريعة الله تعالى ، ويرميهم بالتعصب الذميم ، ويلصق بالجماعات الإسلامية شتى التهم والأكاذيب ، لتنفير الشعب المسلم منهم ؛ كي يساهم في إبادتهم ، ولا يثور لما سيحدث لهم على أيدي الزبانية حتى أن رئيسة تحرير إحدى المجلات النسائية العربية ، كتبت بنفسها عدة مقالات ، تصور فيها الحجاب الإسلامي بأنه يشبه الكفن ، وأن عودة الحجاب انتكاسة إلى الوراء ، وأن المرأة تريد العودة إلى العبودية ، وتقارن تلك الجاهلية بين المتحجبات وبين تحرير العبد في أمريكا العنصرية ، فتشبه المحجبات بالعبيد الذين حررهم إبراهام لنكولن ، ولكنهم رفضوا الحرية ، وعادوا إلى أسيادهم ولست أدري ما وجه تلك المقارنات التي عقدتها هذه الشيطانة الإنسية ، بين تحرير العبيد وبين رفض المرأة أن تكون متاعاً فاجراً يلهو به الرجال ، ويترك كالقمامة على قارعة الطريق ؟!!  
وعندما وجدت تلك الفاسقة المستهزئة بآيات الله وأوامره وأوامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن كلامها ذهب أدراج الرياح ، عادت لتصور المتحجبات بأنهن « فاسدات الأخلاق ، يتسترن بهذا اللباس ، حتى يختفين عن أعين الوشاة » ، مع أن الفساد في تلك البلاد لا يحتاج إلى تستر ؛ لأنه ظاهر ، ومعلن به في كل مكان دون نكير ، والأدهى من ذلك ؛ أن الحجاب هو الشيء الغريب عن ذلك المجتمع المذكور ، فتلاحق العيون صاحبته أينما قادتها قدماها ، فكيف بالله ستتستر بالحجاب على معاص مرعوقه في مجتمع يراقبها مراقبة الضد للضد ؟
ولكن الأمر مكشوف ؛ لأن هذه المرأة المأجورة من أذناب أعداء الامة والإسلام ، قد ساءها انتشار الحجاب ، بينما كانت تعمل جاهدة لإفساد المرأة المسلمة طوال تسلمها لرئاسة تحرير مجلتها النسائية ، عبر المواضيع والمقالات التي تضمها تلك المجلة.
وإنه لما لم تهتم المؤمنات بهذه الأقاويل المغرضة الملفقة ، ألصقت سلطان البلاد بهن تهماً باطلة ، وصورتهن والشباب الملتزم بالإسلام بصورة أحزاب وجماعات متطرفة ، وتمادوا في ذلك تمادياً عظيماً حتى أنهم أطلقوا المخابرات والجواسيس خلف كل داعية مخلص لله ، وجعلوا المساجد تحت الرقابة العسكرية ، ولا نسمع منهم تبريراً لأفعالهم إلا محاربة التطرف ، والتطرف عندهم يعني : التمسك بالإسلام بصورة صحيحة ، وليس إسلام الأسماء والشعارات النظرية ، وأودعوا الشبان والشابات المتمسكين بشرع الله غياهب السجون ، ونكلوا بهم أشد التنكيل ، مما لم يفعله كفار الجاهلية الأولى بالمسلمين الأوائل !!
ولقد تشرد من المتمسكين بشرع الله من تشرد ولجأوا إلى دولٍ أخرى ، فأصبحوا غرباء عن ديارهم بسبب طغمة فاسدة عميلة ، ولقد تركت تلك السلطات الآثمة الفاسدة المجرمين يعيثون في الأرض فساداً ، وينهبون ، ويخربون ، وتركت الجماعات اللادينية والأحزاب الإلحادية ، وأصحاب المذاهب الهدامة يروجون لباطلهم ، ومنحتهم حرية إصدار الصحف والمجلات ، بينما منعت المسلمين من ذلك ، وجعلت تتعقب هؤلاء الأبرار الأطهار الذين يشرّفون المجتمع ويعلون هامة الأمة.
لقد قامت تلك الحكومات بما كلفهم به أسيادهم في الشرق والغرب ؛ لصدهم عن دينهم ، لأنهم جميعاً ( أي أعداء الإسلام الذين في الخارج وعملاءهم في الداخل ) يعلمون أن الدين سيحرر الأمة من الظلم والفساد والعبودية لغير الله ، وسيقضى على رؤوس الكفر والنفاق ، وسيئد الإنحراف أينما وجد ، وسيكتسح مشارق الأرض ومغاربها ؛ لنشور النور والحق والعدل ، ويمحو الظلمات والفجور والطغيان ،... إنهم يحاربون الدين ، يتعقبون الدين في صورة هؤلاء المتدينين العزل من أي سلاح إلا سلاح الفضيلة والتقوى مراقبة الله عزّوجل ، إنهم يحاربون الدين بعد أن ظنوا أن شعوبهم قد غسلت أمخاخها بما يدسونه لها ؛ من ملهيات وتصرفات عن شرع الله ؛ عن طريق ما أسموه بالفن وكرة القدم ، وغير ذلك من وسائل لا يماري في أضرارها الواقعة على الأمة إلا جاهل.
ولما لم يفلح الإعلام المشوه في إفساد أصحاب الفطر السليمة ، ولمّا لم تعد تجدي السجون في كف المؤمنات والمؤمنين الصادقين عن دينهم ، لم تجد السلطان بداً من إيقاف رجال الشرطة على أبواب المدارس والجامعات لمنع المحجبات الساترات لجميع أبدانهن بما في ذلك وجوههن ، والشبان الملتحين من دخولها ، وحرم الكثيرون من التعليم ودخول الإمتحانات لهذا السبب ، ومن أفلت من أيدي الشرطة لم يفلت من أيدي عملاء بعض الجامعات ! كعميد كلية الطب بإحدى الجامعات العربية ، الذي شدّ عن طالبة مسلمة حجابها ، وكشف عورتها أمام الجميع !
وفي بلاد عربية أخرى صدرت الأوامر لقوات الإنتشار السريع ؛ بتعقب كل متحجبة تسير في الشوارع لشد حجابها عنها ؛ بل واغتصابها إن أمكن ذلك !
وفي بلد إسلامي منعت دكتورة تعمل في الجامعة من العمل ؛ لأنها غطت شعرها ، واحتشمت في ملبسها ! هل هذه السلطات مسلمة ؟... وهل تعمل لصالح الأمة ؟... لا والله...
 (
ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) المائدة : 44.
 (
ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فإولئك هم الظالمون ) المائدة :.5.
 (
ومن لم يحكم بمآ أنزل الله فإولئك هو الفاسقون ) المائدة : 47.
 (
أفحكم الجهليّة يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون ) المائدة : 50.
فإلى تلك التي تخشى على نفسها من السجون إن تحجبت أقول :
أصبري وصابري ورابطي ، وسينصرك الله ولو بعد حين ، وإياك والانصراف عن الحجاب ، ولو قطعت إرباً إربا ، لأن في تمسكك به قياماً لهذا الدين ، وبعثا به حياً من جديد ، بعد أن ظن أعداء الله أنهم أطفؤوا نوره إلى الأبد ، والله متم نوره ولو كره الكافرون .
وأكتفي بهذا القدر من الحجج ، مما أشتهر على ألسنة المتبرجات ، فيما يتعلق بارتداء الحجاب الساتر لجميع البدن بدون استثناء ، وهناك الكثير من الحجج الأخرى الواهية التافهة ، ومن العبث أن نرد عليها.


تعقيب

1 ـ « من المؤسف جداً أن نرى المرأة المحجبة الصالحة تسير في الشوارع بصحبة المتبرجة أو السافرة ، تصحبها في ذهابها وإيابها ، وتحبها ، وتصادقها ، ناسية أو متناسية أن ( الرضا بالمعصية معصية ) ، فعلى المؤمنة العاقلة أن تعلم أن صحبة أهل الفسق يجر إلى الفسق ، وصحبة أهل الأهواء تسوق إلى اتباع الاهواء ، وصحبة أهل الزيغ والإلحاد توقع في هوة الكفر والإلحاد ، ولهذا جاء في الحديث الشريف : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ».
وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تحد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة » . يحذيك يعطيك.
ويقول الشاعر :

إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم * ولا تصحب الأردى فتردى من الردي
ويقول آخر :

واحــذر مصاحبة القصي فإنـه * يعدي كمـــا يعدي السليم الأجرب

فاحذري أيتها المؤمنة المطيعة ! من صحبة تلك الخارجة عن طاعة الله ، حيث أن مشاهدة ومخالطة أهل الفسق تهون أمر المعصية على القلب ، فتجعلها عادية يتقلبها القلب دون نفور منها ، وقد ينصرف المطيع عن طاعة الله من جراء ذلك ».

2
ـ إن تبرج المرأة أمام الرجال الأجانب الذين يأتون للزيارة في منزلها : يسري عليه من الإثم المذكور في حديث « الكاسيات العاريات » ما يسري على المتبرجات خارج المنزل ؛ لأن العبرة بحصول العمل المحرّم نفسه وليس بمكان حدوثه ، وهناك الكثيرات من النساء اللاتي يتوهمن أنه يجوز لهن إبداء زينتهن في الأفراح ، أو أمام الرجال من نفس العائلة ، أو العشيرة ، أو القبيلة ، أو أقارب زوجها : كأخيه ، وعمه ، وخاله ، وابن عمه ، وابن خاله. .. إلخ ، وبالمثل أقاربها : كأبناء عمومتها ، وأبناء أخوالها ، وابناء ، وأبناء خالاتها. .. إلخ ، وكل هؤلاء وإن كانوا أقرباء أو من نفس العائلة أو العشيرة أو القبيلة ؛ فإنه يحرم على المرأة إبداء زينتها لهم ، أو مصافحتهم ، ويعتبرون أجانب عنها شرعاً ، سواء رأوها في الشارع أم في المنزل ، أما الذين يجوز للمرأة إبداء الزينة عليهم فقد بينهم الله تعالى في سورة النور وسنذكرهم بمشيئة الله في الفصل القادم ، كذلك لا يجوز للمرأة إبداء زينتها في الأفراح المختلطة رجالاً ونساءً ، ولو حتى كان العريس وحده ؛ إلا إذا كان محرما لها ، كما يحرم على الرجل الجلوس وسط النساء ، ومشاهدة زينتهن ، كما يحدث في الأفراح العربية ، وعليه أن يجلس مع الرجال في مكان آخر بعيداً عن النساء ؛ ليلة الزفاف ليست رخصة للمعاصي ، وتحليل ما حرم الله ، وإنما يجوز للمرأة التزين في الأفراح ، وإبداء زينتها للنساء فقط ، أو الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء.

3
ـ هناك صنف من النساء والرجال لا يحلون حلالاً ولا يحرمون حراماً ، وينكرون البعث والحساب ، ويزعمون أنما هي حياتهم الدنيا وحسب ، فينكرون القيم والمبادئ الدينية ، بل يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً ، وإن هذا الصنف لا يجدي معه كتابي هذا ، وما عليهم سوى الانتظار زمناً يسيراً ، حتى يوضعوا في أول منازل الآخرة ، وهو القبر ، حيث سيرون ما لم يروه قط ، ويلاقون ما وعدهم ربهم حقاً. يقول تعالى :
 (
ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) سورة الأعراف : 179.