المرأة الغربية تطالب بالعودة إلى البيت
بقلم:أ.د عبد الرزاق الزهراني

بسبب ما وصلت إليه المرأة في الغرب من ضياع وامتهان، وما فقدته بسبب الحرية المزعومة، وما وصلت إليه من شقاء وتعاسة، تعالت أصوات غربية كثيرة تدعو إلى العودة إلى البيت، وإعادة بناء الأسرة على أسس سليمة، وحفظ كرامة المرأة، وحقوقها المشروعة، والمحافظة على أمنها واستقرارها.

ومن أجل ذلك نشأت في أمريكا حركة تسمي نفسها (حركة كل نساء العالم)، إنها لا تطالب بحرية المرأة، ولا بمساواتها بالرجل، ولكنها تطالب بأن تعود المرأة إلى حياتها الطبيعية، تحت قيادة الرجل، وفي ظل الأسرة التي هي منشأ الاستقرار والسعادة للصغار وللكبار.

وسبب نشأة هذه الحركة أن السيدة(مورابيل مورجان) وهي ربة منزل أمريكية قد ألفت كتاباً عرضت فيه لكثير من أسباب فشل الحياة الزوجية وانهيارها، واقترحت مجموعة من الحلول ووسائل العلاج للعلاقات الزوجية المنهارة في المجتمع الأمريكي، وفوجئت أوساط النشر الأمريكية بأن هذا الكتاب قد حقق رقماً خيالياً في المبيعات والانتشار في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أدى انتشار ذلك الكتاب إلى نشأة الحركة النسائية الجديد (حركة كل نساء العالم).

واستطاعت تلك الحركة أن تضم في صفوفها عدداً كبيراً من النساء من جميع أطياف وأجزاء المجتمع الأمريكي، وفتحت هذه الحركة فصولاً دراسية لتعليم السيدات الراغبات في إنشاء حياة زوجية سعيدة، وتوفير الهناء والاستقرار لها ولمن يعيش معها، وقد تسلل أحد مراسلي (الديلي اكسبرس البريطانية) إلى إحدى قاعات الدراسة التي كان فيها أكثر من مائتي سيدة من مختلف الأعمار، ووصف ما شاهده وقال: (ومن تلك القاعة من قاعات الدرس كانت رائحة العطور النسائية تختلط بالآمال العريضة التي علقتها الدارسات لهذا الأسلوب الجديد الذي يتعلمنه لممارسته في بيت الزوجية. ولم يكن هناك ما يدفع السيدة المحاضرة إلى أن تقول: (ليكن زوجك يا سيدتي هو السيد الحقيقي للبيت، وعليك أن تعترفي بسيادته هذه وأن تهيئي حياتك له، وأن تكوني له عبداً مطيعاً يخدمه ويعمل على راحته).

وتزعمت هذه الحركة السيدة (جويس دافيسون) التي تقول في إحدى محاضراتها : هناك بعض النساء حطمن حياتهن الزوجية عن طريق إصرارهن على المساواة بالرجل، إن الرجل هو السيد المطاع ويجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة.

ثم تنصح المرأة بأن تذوب في زوجها تحب ما يحب وتكره ما يكره، كما أنها تنصح المرأة بأن تطلب من زوجها كتابة أهم التغيرات التي يراها ضرورية، والتي يرغب أن تقوم بها الزوجة في بيته، وتطلب من الزوجة أن تدرس تلك الطلبات، وتقوم بتنفيذها دون مناقشة أو جدل.

وتتساءل السيدة (دايفسون) لماذا تعترض الزوجة دائماً آراء زوجها؟ ألا يعبر هذا عن شعور المرأة بأن تسعى إلى المساواة به، وبالتالي ألا يتسبب ذلك في أن يتحول البيت إلى حلبة للمصارعة بين أفكار زوجها وآرائها؟ إن المشكلات كثيراً ما تتعقد ويصعب حلها حين يصر كل من الطرفين على رأيه وينقطع تماماً حبل التفاهم بينهما، وترى أن أروع الأعمال التي تناسب المرأة في هذا العالم هو عملها داخل بيتها، وعلى المرأة أن تتفاخر بهذا العمل، وبرعايتها لزوجها التي فقدتها عندما خرجت إلى ميدان العمل).

وألفت السيدة الفرنسية (كريستيان كولانج) كتاباً بعنوان (إني لبيتي راجعة)، وحول هذا الكتاب قدم التلفزيون الفرنسي ندوة حضرتها مجموعة من السيدات الفرنسيات يمثلن عدداً من المذاهب السياسية والاجتماعية وبحضور المؤلفة، وتقول مجلة التمدن الإسلامي الدمشقية في عددها الصادر في رجب 1400هـ فقد أثار الكتاب جدلاً كبيراً في الندوة التلفزيونية وتحدثت عنه الصحف والمجلات الفرنسية بإسهاب، خاصة أن عودة المرأة لبيتها أمر تعارضه الحركات النسائية المتحررة في أوروبا.

وكانت مؤلفة الكتاب قد نجحت في التوفيق بين عملها وبيتها، فربت أربعة أبناء، وعملت في الصحافة مدة خمسة وعشرين عاماً، وألفت قبل هذا الكتاب كتابين، عنوان الأول (السيدة والأولاد)، وعنوان الثاني (السيدة والسعادة). وتعتبر نفسها من الناجحات في التوفيق بين العمل والمنزل. وبعد أن رزقت بحفيد، وكما يقول المثل (ما أعز من الولد إلا ولد الولد) تفجرت في قلبها عاطفة الأمومة التي احتبس قسم كبير منها في نفسها بسبب انشغالها عن أولادها في الماضي بالعمل خارج البيت، وكانت قناعتها قوية، وشعورها عميقاً وجارفاً بأن المرأة لا يكمل نموها النفسي والروحي، ولا تبلغ كمال تطورها ولا يتألق جوهرها إلا إذا قامت بدور الأم قياماً كاملاً غير منقوص، وترى المؤلفة أنه إن فاتها هذا الدور في تربية أولادها في الماضي، فإنها قررت ألا يفوتها في تربية أحفادها في المستقبل، لذلك تركت عملها خارج المنزل، وعادت للبيت لترعى زوجها وأولادها وأحفادها بإخلاص، ورغبة صادقة، وقلب منشرح، وأعلنت ذلك على الملأ من خلال كتابها الذي بعنوان (إني لبيتي عائدة).

إنها حركة ودعوات آتية من نساء غربيات، عشن في جو الحرية، وترعرعن في أحضان القيم والمبادئ الغربية، وليس هناك من المسلمين من دفع لهن رشوة ليسرن في هذا الاتجاه، ولكنها الفطرة واكتشاف الحقيقة التي ترى أن وظيفة المرأة الأولى هي الأمومة، وأن ربة المنزل تقدم لأمتها أكبر خدمة وتسهم إسهاماً كبيراً في التنمية وخدمة المجتمع والحياة.