حجاب السفور


الحجاب هو أهم المظاهر الإسلامية التي تعطي المرأة المسلمة هويتها، ففي أي مكان في العالم، وفي أي ظرف نستطيع أن نميز المرأة المسلمة عن غيرها، فحجابها هو شعار انتمائها، وتمسكها به هو مصدر تميزها..

وقد كثرت الدعوات في هذا العصر والمحاولات في سلب المرأة هويتها وشعارها وانتمائها بكل قوة، وظهر من يروج بأن الحجاب عادة ورثتها المسلمة من عصور التخلف، وأنه ليس من الإسلام في شيء، وفي الجانب الآخر ظهرت فئة ممن ينسبون أنفسهم للعلم والعلماء، يلوون أعناق النصوص، وينبشون عن الروايات الضعيفة، والأقوال المجروحة والشاذة، ليبرروا مظاهر الإغراء والفتنة والسفور من خلال وسائل الإعلام ومنابره في روح لا تحلو من أحد أمرين:

- إما انهزامية أمام جحافل الضغط العالمي والمؤسسات الأممية ودول التجبر، التي سعت إلى فرض مفاهيمها وقيمها المعارضة للفطرة، والمحاربة لشرائع الأنبياء، باسم الحرية والتقدم والحضارة.

- وإما روح فاجرة أشربت الباطل، وثملت من الشهوات، حتى أصبحت نموذجاً حياً لشياطين الإنس شكلا وهيئة وفكراً، لا يقر لها قرار، ولا يهدأ لها بال حتى ترى المجتمع وقد سار في ركاب الشهوات، وانخرط في طريق اللذة، والتقليد الأعمى للغرب وفضلاته الحضارية.

وقد استجاب لهم كثير، ودخل الشك والتردد في نفوس آخرين، ومن وراء هؤلاء وأولئك قامت دور الأزياء والموضة بالتفنن في رسم مسار الحجاب بما يدعو للفتنة، ويدمر الحشمة والعفاف، ويحارب الهدي الإسلامي في هذه القضية الخطيرة.

وفي هذا الملف معالجة مركزة، واستعراض شامل للرؤية الشرعية للحجاب، وبيان لوجه الحق في ضوابطه وحدوده، ورد على تلك الدعوات بالمنهج العلمي الشرعي المستمد من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الحجاب ليس عادة تركية

عن هذا الموضوع تحدث د. محمد بن عبد الله الخرعان قائلاً:

في ظل غياب الأخلاقيات العلمية، والهوى الجامح، لم يوفر أصحاب التيارات العلمانية والشهوانية سبيلاً في تحقيق غاياتهم في إغراق المجتمعات الإسلامية في أوحال الفساد الخلقي إلا وسلكوه، سواء كان مما يعقل أو مما لا يعقل، ولأنهم يمثلون حقيقة الامتداد للاستعمار الغربي لبلاد المسلمين، فلم يجدوا شيئاً يفرغون بهم حقدهم ويظهرون به ولاءهم من أن ينسبوا للأتراك تهمة فكرة الحجاب- زعموا-والحق أن الحجاب شرعة ربانية، وفطرة إنسانية فطر الله الناس عليها، وأن السفور فتنة الشيطان الكبرى التي أراد لآدم وحواء عليهما السلام الوقوع فيها، ولنتأمل في هذه الآيات الكريمة التي تحدثت عن هذه القصة، وننظر كيف كان الستر والحشمة هما الأصل، وأن السفور والتعري هو غاية الشيطان من إغوائه بأكل الشجرة.

يقول الله عز وجل: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طـه: 117-119].

وقد اختصرت الآية التي بعدها والآيات التي في سورة الأعراف أيضاً هدف إبليس من هذا الإغواء في هدف واحد، وهو هدف عجيب يستوقف المتأمل كثيراً جداً لا سيما في هذا العصر، حيث لم يخرج ذلك الهدف عن إرادة إبليس ورغبته في: كشف عورة آدم وحواء !!

يقول الله عز وجل بعد ذلك: {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه:121].

وفي سورة الأعراف: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الآية:20]، ثم يبين الله عز وجل نتيجة الوسوسة تلك: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الآية:22].

الحجاب تاريخيا

الحجاب كان موجوداً عند الأمم المختلفة- كاليونان والرومان وغيرهم- وكان موجوداً عند أهل الكتاب وعرب الجاهلية وهذا ما سنوضحه فيما يلي:

الحجاب عند أهل الكتاب
1- من يقرأ كتب العهدين القديم والجديد يعلم - بغير عناء كبير في البحث- أن حجاب المرأة كان معروفاً بين العبرانيين منذ عهد إبراهيم عليه السلام، وظل معروفاً بينهم في أيام أنبيائهم جميعاً إلى ما بعد ظهور المسيحية، وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد.

ففي الإصحاح الرابع والعشرين في سفر التكوين عن (رفقة) أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الماشي في الحقل للقائي؟ فقال العبد: هو سيدي! فأخذت البرقع وتغطت.

وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضاً أن تامار: " مضت وقعدت في بيت أبيها ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت ".

وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا أن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهات بخلاخيلهن بأن: "ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب".

وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلقى الغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد.

الحجاب عند عرب الجاهلية
معروف أن عرب الجاهلية كان فيهم بقايا من دين إبراهيم عليه السلام يتمسكون بها كتعظيم البيت والطواف والوقوف بعرفة والمزدلفة كما كان يوجد فيهم الحجاب بأنواعه، أعني: حجاب الجدر وحجاب الرأس ونقاب الوجه.

ولأن الشعر ديوان العرب فقد رأينا أن نوضح ما أجملناه حول المرأة في الجاهلية حسب ما ورد في أشعارهم.

أولا: حجاب الجدر:
كانت العرب تمدح المرأة القارة في بيتها ولكره الخراجة الولاجة. من ذلك قول أبي قيس بن الأسلت:
 

وتكسل عن جاراتها فيزرنها            وتغفل عن إتيانهن فتعذر

وقول كثير:

وأن التي حببت كل قصيرة            إلي وما تدري بذاك القصائر
عنيت قصيرات الحجال ولم أرد         قصار الخطا شر النساء البحاتر

ثانياً: حجاب البدن والوجه:
وهذا النوع من الحجاب كان موجوداً عندهم أيضاً والدليل على ذلك هذه الأبيات التي قالها النابغة يصف المتجردة زوج النعمان بن المنذر حين سقط برقعها من على وجهها فانحنت على الأرض ترفعه بيدها بينما سترت وجهها بذارعيها حيث قال:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه        فتناولته واتقتنا باليد

وقول الشنفري يمدح زوجته أميمة:

لقد أعجبتني لا سقوطاً قناعها             إذا ما مشت ولا بذات تلفت

الحجاب الشرعي

بين سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله- الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة قائلاً: أمر الله سبحانه في كتابه الكريم بتحجب النساء ولزومهن البيوت، وحذر من التبرج والخضوع بالقول للرجال؛ صيانة لهن عن الفساد، وتحذيرا لهن من أسباب الفتنة، فقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب: 32، 33].

نهى سبحانه في هذه الآيات نساء النبي الكريم أمهات المؤمنين، وهن من خير النساء وأطهرهن عن الخضوع بالقول للرجل، وهو: تليين القول وترقيقه؛ لئلا يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا، ويظن أنهن يوافقنه على ذلك، وأمر بلزومهن البيوت، ونهاهن عن تبرج الجاهلية، وهو: إظهار الزينة والمحاسن، كالرأس، والوجه، والعنق، والصدر، والذراع، والساق، ونحو ذلك من الزينة؛ لما في ذلك من الفساد العظيم، والفتنة الكبيرة، وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا.

وإذا كان الله سبحانه يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن وطهارتهن، فغيرهن أولى بالتحذير والإنكار، والخوف عليهن من أسباب الفتنة، عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن.

ويدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن قوله سبحانه في هذه الآية: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب:33]. فإن هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن.

وقال الله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53].

فهذه الآية الكريمة نص واضح في وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم، وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء، وأبعد عن الفاحشة وأسبابها، وأشار سبحانه إلى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة، وأن التحجب طهارة وسلامة.

وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59].

والجلابيب: جمع جلباب، والجلباب: هو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب والتستر به، أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك؛ حتى يعرفن بالعفة فلا يفتتن ولا يفتن غيرهن فيؤذيهن.

قال علي بن أبي طلحة: عن ابن عباس: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة).

وقال محمد بن سيرين: (سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى).

ثم أخبر الله سبحانه أنه غفور رحيم عما سلف من التقصير في ذلك قبل النهي والتحذير منه سبحانه.

ومعلوم ما يترتب على ظهور الوجه والكفين من الفساد والفتنة، وقد تقدم قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53]، ولم يستثن شيئاً، وهي آية محكمة، فوجب الأخذ بها، والتعويل عليها، وحمل ما سواها عليها، والحكم فيها عام في نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين.

كشف الوجه

من المعلوم أن للعلماء في كشف الوجه قولين مشهورين أحدهما القول بكشفه حال أمن الفتنة، والآخر القول بأنه من العورة التي يجب سترها على كل حال، وقد بين العلماء ترجيحهم هذه المسألة كما هو أدبهم في مسائل الخلاف، ومن ذلك ما قاله فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان حيث يقول: دلت السنة النبوية على وجوب تغطية المرأة وجهها عن غير محارمها لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه).

وأدلة وجوب ستر وجه المرأة عن غير محارمها من الكتاب والسنة كثيرة، وإني أحيلك أيتها الأخت المسلمة في ذلك على رسالة "الحجاب واللباس في الصلاة" لابن تيمية، ورسالة "الحجاب" للشيخ عبد العزيز بن باز، ورسالة "الصارم المشهور على المفتونين بالسفور "للشيخ حمود التويجري، ورسالة (الحجاب) للشيخ محمد صالح بن العثيمين، وقد تضمنت هذه الرسائل ما يكفي.

مكانة الحجاب في الإسلام

عن مكانة الحجاب في الإسلام تحدث الدكتور عبد الله بن وكيل الشيخ أستاذ السنة وعلومها في جامعة الإمام قائلاً: لا أستطيع في هذا المقام الضيق أن أستعرض مسألة الحجاب بشيء من البسط والبيان، ولكنني أنبه إلى جملة أمور:

أولها: أن الحجاب الشرعي له أدلته المتكاثرة في الكتاب والسنة، من مثل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59]، وقوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53]، وقوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31].

ثانيها:أنه قد وردت النصوص المتكاثرة الدالة على منع اختلاط الرجال بالنساء، منها:

أ- حديث أبي هريرة مرفوعاً: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها).

ب- حديث أم سلمة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمكث في مكانه يسيراً، فنرى – والله أعلم- أن مكثه لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال).

ج- وعن أبي أسيد مالك بن ربيعة- رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول، وهو خارج من المسجد، وقد اختلط الرجال مع النساء في الطريق: استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق (أي تتوسطن فيه)، عليكن بحافات الطريق، فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.

د- وعن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما– أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء؟) قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. رواه أبو داود وقال الألباني على شرط الشيخين.

وكان النساء يخرجن لصلاة العيد فيعتزلن مصلى الرجال، كما جاء ذلك في صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله.

ثالثها: أن للاختلاط والتبرج من المضار الدينية والدنيوية الشيء الكثير.

فهو أولاً: معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

وثانياً: مجلبة للعن والطرد من رحمة الله.

وثالثا: مساعدة في نشر الفاحشة في المجتمع.

رابعا: تشبه باليهود ومن في حكمهم الساعين في الأرض فسادا.

ثم هو قرين ضعف الأمة، وهوانها، وتأخرها، وإنما انتشر في الأمة حينما استولى عليها العلمانيون، وتسلط عليها العملاء المتآمرون، أمثال أتاتورك، ومن على شاكلته.

والتبرج والاختلاط سبب لكثير من المضار الدنيوية، فهو سبب لكثرة الجرائم وتحطيم الروابط الأسرية، والإساءة للمرأة بالمتاجرة بها، وسبب لانتشار الأمراض المستعصية، وشيوع الشذوذ الجنسي، وغيره من العلل.

رابعها: نحن لا نقول: إن كل متحجبة معصومة من الرذيلة، ولا كل كاشفة عن وجهها ساقطة في الرذيلة، حاشا وكلا، ولكننا نسأل: هل الذي أوقع المتحجبة في الرذيلة هو حجابها أو ضعف إيمانها؟ وهل الذي عصم الكاشفة عن الرذيلة هو إيمانها وخلقها، أم كشفها وتهتكها؟!

إن الحجاب أعظم معين للمرأة للمحافظة على سترها وحيائها وهو يصونها عن أعين السوء، ونظرات الفحشاء، واسألوا -إن شئتم- الذين جربوا هذا الاختلاط بماذا عادوا؟!

أخيراً أختم كلامي في هذه الفقرة بكلام الصحفية الأمريكية "هيلسيان ستاتسيري" بعد أن أمضت في القاهرة عدة أسابيع، ثم عادت إلى بلادها، تقول: (إن المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشاب في حدود المعقول، وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوروبي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتم تقييد المرأة، وتحتم احترام الأب والأم، وتحتم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية، التي تهدم اليوم المجتمع والأسرة في أوربا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط وقيدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا.

لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعا معقدا مليئا بكل صور الإباحية والخلاعة.. وأن ضحايا الاختلاط والحرية يملئون السجون والأرصفة والبارات والبيوت السرية، إن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا وأبنائنا الصغار قد جعلت منهم عصابات أحداث وعصابات للمخدرات والرقيق.

الحكمة من مشروعية الحجاب

ومن إدارة التوعية والتوجيه بالرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتحدث الشيخ علي المري عن ذلك فيقول:

إن الحجاب الشرعي إنما شرعه الله عز وجل حماية للمرأة وللمجتمع كله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ...} الآية ومن المعلوم أن الجلباب هو كل ساتر من أعلى الرأس إلى أسفل القدم وقد بين الله عز وجل في الآية حكمة عظيمة من حكمته في مشروعية الحجاب من أنه ستر للمرأة ولتعرف بالحصانة والعفاف والاستقامة ولكي لا تمتد إليها أيدي العابثين أو نظرات المسعورين وبهذا يتحقق بإذن الله عز وجل طهارة المجتمع بسد كل ما يقضي إلى إثارة الشهوات.

إن أصحاب الشهوات يريدون من المجتمع أن يميل ميلاً عظيماً كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} ويريدون أن تشيع الفاحشة فيه كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ...} الآية فقاموا بصناعة العباءة التي هي في الواقع تحتاج إلى عباءة تسترها وكل ذلك تمهيدا لكشف الوجه وإظهار المحاسن ثم بعد ذلك نبذ الحجاب.

فتعددت المسميات وظهر منها (الدانتيل) وما سمي بالفرنسية، والكلوش، والاسترتش اللاصقة الواصفة لتقاطيع الجسم والفرنسية اللماع القيطان شهر زاد الشلحاء، اللؤلؤية، العباءة المغربية، وغيرها كثير من محدثات هذا العصر مما أدى بالحجاب الشرعي رمز العفة والكرامة دارئ الفتن للتحول إلى عنوان الفساد وخدش الكرامة والحياء.

دور الأزياء العالمية تتسابق في تصميم الحجاب

تقول الأستاذة ذكاء قلعه جي:

إن هذا الحجاب الذي فرضه الله على المرأة المسلمة ليحميها من هذا اللهاث المتواصل وراء المظهر والشكل، ويحمي عفة المجتمع فلا يتطلع الرجل إلا لزوجه ومحارمه، والذي بذل الاستعمار الكثير من الجهد للقضاء عليه، ومنع المسلمات من لبس الحجاب، ولكن الاستعمار لم يستطع أن ينال منه، وغدا حجاب المرأة المسلمة هو بحق قلعتها الحصينة التي تحميها، ولكن ما فشل في تحقيقه الاستعمار، وكل القوى الكبرى في العالم، نجحت في تحقيقه دور الأزياء، ودخل الشيطان هنا ليس من باب التحدي، ولا عن طريق إلغاء الحجاب، ولكن عن طريق تفريغه من مضمونه وبعده عن الهدف الذي وجد أصلاً من أجله.

ووجد الشيطان له بابا آخر يلج إلينا منه فلم يعد أتباع الشيطان ينفرون من شكل الحجاب، أو ينتقدونه بل صاروا يعجبون بالحجاب ويشجعون المرأة المسلمة على لباسه، ويندبون أنفسهم لتصميم عباءة جميلة لها، لتجعلها أكثر جمالاً وصارت فتياتنا اليوم تلبسن العباءة التي يفصلها لها الكفار.

وصرنا نقرأ في الصحف والمجلات أن مصمم الأزياء فلان الفلاني قد أعجب بطراز العباءة وسيستخدمها في تصميماته ووعد أنه سيبدع مجموعة من العباءات تناسب الذوق العربي... ونفرح نحن بهذا الخبر، ونكاد نطير سروراً لأننا وصلنا للعالمية.

وغدا الحجاب الذي هو أصلاً لتغطية الملابس التي تحتوي على الزينة، غدا مجال تنافس المصممين أيهم يبدع حجابا أكثر فتنه وجاذبية، وصرنا نرى عروض أزياء للجلباب، وموجات الموضة قد غمرته بفيض من التصاميم التي تتغير وتتبدل مثل أي من الملابس الأخرى قصات وتطريز وألوان.

حتى دور الأزياء العالمية قد أدلت بدلوها في هذا، وأخرجت تصاميم من العباءات لا تصلح بحال من الأحوال للحجاب، ولا تنطبق عليها المقاييس الشرعية للحجاب. ولا غرابة في ذلك لأن مصممي هذه الأزياء من النصارى، هذا إذا لم يكونوا من اليهود، وصار أمرنا بيدهم، وفوق ذلك ندفع لهم الثمن، فثمن هذه العباءة باهظة جدا تدفعه المرأة من مال هذه الأمة والذي يفترض أن ينفق على تقدمها وتعليم أولادها.

وصارت مشكلة العباءة مشكلتان، أولاً يجب أن تكون جميلة مزينة تلفت النظر إليها، والثانية يجب أن تكون وفق خطوط الموضة، وحسب آخر صيحات دور الأزياء، فاليوم عباءة مع الجلد، وغدا عباءة مع الجينز، وبعد غد قد تصير العباءة بدون عباءة، فما دام الأمر صادر من دور الأزياء العالمية، من يستطيع أن يقول لها لا، فهم أدرى بما هو أجمل وأفضل، ونحن نشتري وندفع المال دون حتى أن ننظر لما نحن ندفع ثمنه، إنه غسيل دماغ من الطراز الأول، وعبودية بشكل جديد وجميل، ووفق أحدث التصاميم الشيطانية.

لا وألف لا

الأستاذة: أمل محمد السعدي –من عجمان – تتعجب من وضع الفتاة المسلمة وحجابها السافر فتقول: لست من هواة التسوق، أو التجول في الأسواق، ولكن تدفعني الحاجة إلى الذهاب إليها في أوقات ومناسبات معينة يتحتم علينا فيها شراء شيء جديد أو غرض مُلح، وأكثر ما يلفتني في الأسواق هذه النماذج العجيبة بين مختلف فئات المجتمع، حتى أن بعض المثقفين ذوي التوجهات الغربية يقولون: "إذا أردت أن تعرف ثقافات الناس، وتوجهاتهم، ومدنيتهم، وتطوراتهم فعليك بالأسواق".. منطق غريب!! لك أن تقبله أو أن تخالفه وقد نقبله في أمر قابل للتطور والتجديد وفق ما يناسب توجهاتنا وقيمنا الإسلامية، أما أن يتعدى ذلك، "فلا" وألف "لا".

وهذا ما انتشر في مجتمعا وبين ظهرانينا "حجاب" تلبسه فتياتنا ونساؤنا وهو أبعد ما يكون عن معنى الحجاب، ذلك الأمر التعبدي الذي أمرنا به الله عز وجل حماية وصيانة للمرأة المسلمة، تلاعبت به أيد خبيثة زخرفته ولونته وجعلته زينة في نفسه. فهو حجاب يحتاج إلى حجاب آخر يستره..

أمر عجيب حقا أن ترى الفتاة المسلمة في الغرب ملتزمة بالحجاب الإسلامي وكأنه تاج تلبسه كلما خرجت مستشعرة قيمة الطاعة والخضوع وفوق ذلك كله تراها محاربة من كل الاتجاهات، وفتياتنا وبناتنا يتفننون في اقتناء هذه الأغطية المزخرفة السافرة ثم يطلقون عليها اسم "حجاب"؟!!

سؤال يدور في خلدي، وحري بنا أن نوجهه للأم والمعلمة، والأخت، لماذا خرجنا عن المقصد الأساس من فرض الحجاب؟ لماذا نسينا أنه عبادة وطاعة لرب السماوات والأرض، لماذا غفلنا عن تفسير معنى الحجاب لفتياتنا قبل أن نأمرهن بارتدائه؟ ولماذا سمحنا لكل هذه الانتهاكات لفرض ديني أن تدخل بيوتنا حتى استمرأه من حولنا؟..

تساؤلات.. واستفسارات تقرع ناقوس الخطر من استهتار قادم، وتلاعبات لا تليق بمكانة المرأة المسلمة. التي لا تريد لها الشريعة أن تكون عرضة لكل ناظر بل حماها وصانها كالدرة المكنونة التي لا تطالها الأيدي بالمساس لذلك فلنحرص كل الحرص أن نلقن الدين الصحيح بكل مفاهيمه لأبنائنا وأن نضرب بيد من حديد على كل من يحاول التعدي والاجتراء بالمهانة والتحقير على الأوامر الربانية السامية.

أدوات ترويج الحجاب السافر

يضيف الشيخ علي المري قائلاً: لاشك أن أدعياء السفور يسعون بحيلهم ورجلهم وبما أوتوا من شتى الوسائل المتاحة لهم للوصول إلى أغراضهم الدنيئة وأهدافهم المنتنة فمن أدوات ترويج الحجاب السافر:

أولاً: أن لبس هذه العباءة تندرج تحت ما يسمى ب (حرية المرأة) وأن المرأة لها أن تلبس ما تشاء من غير شرط ولا قيد فنادي أولئك الأعداء بهذه المطالب المنحرفة عن نهج المؤمنين وسبيل المتقين ليصلوا بذلك إلى نزع الحجاب وعدم التقيد به.

ثانياً: بأن لبس هذه العباءة الفاضحة عنوان على التقدم والرقي ومسايرة الحضارة بل إن من لا تلبس هذه العباءة تعد متخلفة رجعية، لا تعرف الحضارات ولا الواقع ولا الموضات التي ينبغي للمرأة أن تكون على معرفة بها بزعمهم.

ثالثاً: عدم قناعة المرأة بما قضاه الله لها من القرار بالمنزل وعدم مخالطة الرجال ووجوب الحجاب لضعف إيمانها.

رابعاً: ذهاب الحياء الذي بقاؤه خير للفرد والمجتمع كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا ذهب الحياء لم تبال المرأة بارتكاب ما يشينها وترك ما يزينها. قال عليه الصلاة والسلام (إذا لم تستح فأصنع ما شئت).

خامساً: اختلال الميزان والضابط الشرعي لدى الفتاة المتبرجة بشعورها بالنقص الشخصي أثناء ارتداء الحجاب الشرعي.

مكافحة الحجاب السافر

ويضيف الشيخ المري أما الجهود المبذولة لمكافحة الحجاب السافر:

1- النصح والتوجيه لكل امرأة ترتدي هذا الحجاب السافر من خلال التأكيد على أن العباءة عبادة وليست عادة قال تعالى: الآية وذلك من خلال رجال الحسبة العاملين في الأسواق.

2- طبع النشرات المتعلقة بالحجاب المبنية على نصوص الكتاب والسنة، مع ذكر فتاوى العلماء المعتبرين.

3- مناصحة أصحاب المحلات وإعلامهم بالحكم الشرعي وتزويدهم بالفتاوى الصادرة في ذلك وبيان حرمة بيعها لأنها تفضي إلى التبرج والسفور.

4- منع هذه العباءة السافرة وإتلافها عبر اللجان المشكلة.

الشقائق – العدد62 – شعبان 1423هـ/ أكتوبر 2002م