الطالبة والحجاب



إن من مكارم الأخلاق التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الخلق الكريم- خلق الحياء- الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم شعبة من شعب الإيمان، ولا ينكر أحد أن من الحياء المأمور به شرعا وعرفا احتشام المرأة وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواطن الفتن ومواقع الريب.

وإن مما لا شك فيه أن تحجبها بتغطية وجهها ومواضع الفتنة منها لهو من أكبر احتشام تفعله وتتحلى به لما فيه من صونها وإبعادها عن الفتنة .
 

ما هو الحجاب؟!:

الحجاب الشرعي هو: حجب المرأة ما يحرم عليها إظهاره؛ أي: سترها ما يجب عليها ستره، وأولى ذلك وأوله ستر الوجه؛ لأنه محل الفتنة، ومحل الرغبة، فالواجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليسوا بمحارمها , وأما من زعم أن الحجاب الشرعي هو ستر الرأس والعنق والنحر والقدم والساق والذراع، وأباح للمرأة أن تخرج وجهها وكفيها، فإن هذا من أعجب ما يكون من الأقوال؛ لأنه من المعلوم أن الرغبة ومحل الفتنة هو الوجه، وكيف يمكن أن يقال إن الشريعة تمنع كشف القدم من المرأة، وتبيح لها أن تخرج الوجه؟! هذا لا يمكن أن يكون واقعا في الشريعة العظيمة الحكيمة المطهرة من التناقض..وكل إنسان يعرف أن الفتنة في كشف الوجه أعظم بكثير من الفتنة في كشف القدم، وكل إنسان يعرف أن محل رغبة الرجال في النساء إنما هي الوجوه، ولهذا لو قيل للخاطب: إن مخطوبتك قبيحة الوجه، ولكنها جميلة القدم ما أقدم على خطبتها، ولو قيل له: إنها جميلة الوجه ولكن في يديها أو في كفيها أو في قدميها أو في ساقيها نزول عن الجمال لكان يقدم عليها، فعلم بهذا أن الوجه أولى ما يجب حجابه.
 

وهناك أدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأقوال الصحابة، وأقوال أئمة الإسلام وعلماؤه، تدل على وجوب احتجاب المرأة في جميع بدنها عمن ليسوا بمحارمها، وتدل! على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليسوا بمحارمها، وليس هذا موضع ذكر ذلك . وأما عن ستر الكفين والقدمين بساتر كالقفازين والجوارب فيقول الشيخ ابن عثيمين حفظه الله: الواجب على المرأة عند الخروج من البيت ستر كفيها وقدميها ووجهها بأي ساتر كان، لكن الأفضل لبس قفازين كما هو عادة نساء الصحابة رضي الله عنهن عند الخروج، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة: "إذا أحرمت لا تلبس القفازين "، وهذا يدل على أن من عادتهن لبس ذلك .
 

فتاة حائرة

 وبعد أن عرفت أختي المؤمنة الحجاب الشرعي وحكمه فإنه يجب عليك أن تلتزمي به وتتحجبي عن الرجال الأجانب بتغطية الوجه وستر جميع البدن، ولا تتهاوني في ذلك وتضعفي أمام المغريات، واصمدي أمام المستهزئين حتى ولو كانوا من المقربين، فإن أوذيت بسبب الحجاب فهذا من الابتلاء وعليك الصبر والدعاء، واسمعي إلى هذه الفتاة الحائرة التي تروي موقفها مع أهلها بسبب الحجاب، فتقول:

أنا فتاة حائرة أعيش في عائلة سيطرت عليها مفاهيم الشعوذة، وكنت أرتدي الحجاب فتعرضت  لهجوم شديد واستهزاء من أسرتي وصل إلى حد الضرب، ومنعوني من الخروج من المنزل، فاضطررت لترك الحجاب، ولبس رداء طويل، ولكن وجهي مكشوف، فماذا أفعل؟ هل أترك المنزل ووحوش البشر كثيرون؟

وما هو الحل الشرعي لهذه المشكلة

يقول فضيلة الشيخ ابن عثيمين حفظه الله:

هذه المشكلة تتضمن أمرين:

أولا: معاملة أهل الفتاة لها هذه المعاملة السيئة، معاملة قوم إما جاهلين بالحق، أو مستكبرين عنه، وهي معاملة وحشية، لأنهم ليس لهم الحق فيها، فالحجاب ليس بعيب ولا سوء أدب، والإنسان حر في حدود الشرع , فإن كانوا لا يعلمون أن الحجاب واجب على المرأة فيجب أن يعلموا أن ذلك واجب بالكتاب السنة، أما إن كانوا عالمين ولكنهم مستكبرون فالمصيبة أعظم كما قال القائل:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة    وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
 

ثانيا: إن الواجب على هذه الفتاة أن تتقي الله ما استطاعت، فإن أمكن استعمال الحجاب دون أن يشعر أهلها فعلت، أما إن ضربوها وأكرهوها على خلعه فلا ذنب عليها، لقوله تعالى: (( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )) النحل: 106،، وقوله تعالى:(( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) الأحزاب: ه،. ولكن تتقي الله ما استطاعت.

وإذا كان أهلها لا يدركون حكمة فرض الحجاب على النساء. فنقول لهم: إن الواجب على المؤمن أن ينقاد لأمر الله ورسوله سواء أدرك حكمة هذا الأمر أم لم يدركها؟ لأن الانقياد نفسه حكمة، قال تعالى:  (( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)) الأحزاب: 36،
ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: كان يصيبنا ذلك- يعني على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم- فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة. فجعلت مجرد الأمر هو الحكمة ,
ومع ذلك فحكمة الحجاب ظاهرة، لأن كشف محاسن المرأة سبب للفتنة، وإذا وقعت الفتنة وقعت المعاصي والفحشاء، وإذا سادت المعاصي والفحشاء فذلك عنوان على الدمار والهلاك .
 

متدينة ولا تلبس الحجاب

واحذري أختي المسلمة كل الحذر أن تفرطي في الحجاب، وتقولين: أنا أصلي... أنا أصوم.. أنا أخاف الله... أنا... أنا... ومع ذلك تفرطين في الحجاب، فإن الذي أوجب عليك الصلاة والصيام، أوجب عليك الحجاب والتستر.

وتأملي في كلام هذه الشابة المفرطة التي تقول:

إنني شابة مسلمة دخل الإيمان قلبي منذ صغري، لأني نشأت في عائلة محافظة ومتدينة، أأدي الصلوات في أوقاتها، ولا أخطو خطوة واحدة إلا جعلت الله أمام عيني، وأفكر كثيرا مع نفسي في يوم الحساب، وأخاف من عقاب الله، ومع ذلك لم ألبس الحجاب مع أني دائما أفكر بلبس الحجاب مستقبلا.

وبعد هذا التفريط تسأل وتقول: فهل جزائي في الآخرة هو النار؟ فيا سبحان الله!!

فأجابها الشيخ ابن عثيمين حفظه الله قائلا:

إن هذا السؤال يتضمن مسألتين:

المسألة الأولى: ما وصفت به نفسها من استقامة على دين الله عز وجل، لكونها نشأت في بيئة صالحة، وهذا الوصف الذي وصفت به نفسها إن كان الحامل لها على ذلك التحدث بنعم الله عز وجل، وأن تجعل من ذلك الاخبار وسيلة للاقتداء بها، فهذا قصد حسن تؤجر عليه، ولعلها تدخل في ضمن قوله تعالى: ((وأما بنعمة ربك فحدث)) الضحى: 11،، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة" ,, وإن كان الحامل لها على ذلك تزكية النفس والإطراء والإدلال بعملها على ربها فهذا مقصود سيئ خطير، ولا أظنها تريد ذلك إن شاء الله تعالى.

أما المسألة الثانية: فهي تفريطهما بالحجاب كما ذكرت عن نفسها، وتسأل: هل تعذب على ذلك بالنار في الآخرة؟

والجواب على ذلك أن كل من عصى الله عز وجل بمعصية لا تكفرها الحسنات فإنه على خطر، فإن كانت شركا وكفرا ومخرجا عن الملة فإن العذاب محقق لمن أشرك وكفر بالله، قال تعالى: (( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ )) المائدة: 72،. وقال تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) النساء: 116،.

وإن كان دون ذلك- أي دون الكفر المخرج عن الملة- وهو من المعاصي التي لا تكفرها الحسنات، فإنه تحت مشيئة الله عز وجل؟ إن شاء الله عذبه وإن شاء غفرله.
 

والحجاب الذي يجب على المرأة أن تتخذه هو أن تستر جميع بدنها عن غير زوجها ومحارمها، لقول الله تعالى:(( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لازواجكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ )) الأحزاب :59 ,  ولهذا لما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت: "كان يصيبنا ذلك- تعني على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" فجعلت مجرد الأمر هو الحكمة ,,, ومع ذلك فحكمة الحجاب ظاهرة، لأن كشف محاسن المرأة سبب للفتنة، وإذا وقعت الفتنة وقعت المعاصي والفحشاء، وإذا سادت المعاصي والفحشاء فذلك عنوان على الدمار والهلاك .
 

الاستهزاء بالحجاب:

واعلمي أيتها الفتاة المحبة للخير أن من يستهزئ بالمسلمة أو المسلم من أجل تمسكه بالشريعة الإسلامية فهوكافر، سواء كان ذلك في احتجاب المسلمة احتجابا شرعيا أم في غيره؟ لما رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن، فقال عبدالله بن عمر: وأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول الله! إنما كنا نخوض! ونلعب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: (( أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65)لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ )) التوبة: 65، 66،، فجعل استهزاءه بالمؤمنين استهزاء بالله ورسوله .