وجوب ستر الوجة والكفين
و

شروط حجاب المرأة المسلمة


لفضيلة الشيخ :/ زيد بن محمد هادي المدخلي

  بسم الله الرحمن الرحيم  

الحمد لله الذي أرسل رسله بالهدى، لإخراج الناس من ظلمات الشرك والجهل وأسباب الردى. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الفضل والرحمة والإحسان، هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ، خاتم الرسل وإمام الأنبياء وجميع الأتقياء ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولى العلم النافع والعمل الصالح والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة أولئك هم خير من اهتدى وهدى

أما بعد أيها القراء الكرام فإن الباعث على تحرير هذه الرسالة المختصرة في هذا الموضوع الذي تمس الحاجة إلى المشاركة في إيضاح القول فيه.. و تبيانه هو ما تم في الإطلاع عليه من كتابة بعض الاخوة المعاصرين فيما يتعلق بالحجاب والسفور حيث صرح الكاتب المذكور هداه الله جازما بأن الشريعة الإسلاميـة بكافة تعاليمها لا تأمر بتغطية الوجه والكفين من المرأة عند الرجال الأجانب فرأيت أن في هذا التصريح ؛فتنة ظاهرة وخطرا عظيما على مجتمعات الأمة الإسلامية ومن ثم لزم البيان والإيضاح للقول الحق في هذه المسألة مقترنا بأدلته ، براءة للذمة وإعلاماً للأمة؛ونصراً للحق ونصحاً للخلق فأقول: إن كشف المرأة وجهها وكفيها أمام الرجال الأجانب حرام لا يجوز لأدلة صريحة صحيحة نقلية وعقلية وعرفية.

فأما الأدلة النقلية من الكتاب والسنة فهي كثيرة وقد خصصت لها مؤلفات قديمة وحديثة خاصة وغير خاصة نذكر من تلك الأدلة ما يلي:

1.    قول الله عز وجل (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)) أي مما لا يمكن إخفاؤه من الثياب الظاهرة من جلباب ومقنعة ونحوهما، أو ما ظهر بدون قصد بل بسبب أمر غير اختياري كهبوب الرياح أو حمل متاع ونحوهما مما يعفي عن المرأة إذا انكشف وجهها وكفاها بسببه.

*ولقد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه بإسناد في غاية الصحة أن المراد بقوله تعالى:(( إلا ما ظهر منها)) إنه الثياب.

2.    قوله تعالى : (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)).

*قال : ابن كثير، قال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل:(( يدنين عليهن من جلابيبهن)) فغطى وجهه وأبرز عينه اليسرى.

*وقال ابن الجوزي في معنى الآية ((يدنين عليهن من جلابيبهن ))أي يغطين رؤوسهن ووجهن ليعلم أنهن حرائر والمراد بالجلابيب الأردية قاله:ابن قتيبة

*وقال: أبو حيان في البحر المحيط قوله تعالى((يدنين عليهن من جلابيبهن)) شامل لجميع أجسادهن أو المراد بقوله:(( عليهن)) أي وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه .

*وقال : أبو السعود الجلباب ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقى منه ما ترسله على صدرها، ومعنى الآية أي يغطين بها وجوههن وأبدانهن إذا برزن لداعية من الدواعي.

*وعن الإمام السدي قال: تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين .

وعليه نقول: انظروا يا اخوة الإسلام أقوال علماء التفسير من سلفنا الصالح الذين نور الله بصائرهم لرؤية الحق وملأ قلوبهم إيمانا ومعرفة بكتاب ربهم الذي أنزله الله بصائر وهدى وشفاء بخلاف دعاة السفور الذين صادموا أوامر الله القيمة وتوجهاته الرحيمة التي تحرص على شرف المرأة وكرامتها وصونها بالحجاب عن أعين الذئاب من البشر أصحاب الأعين الخائنة والنوايا السيئة الذين يحبون أن يتمتعوا بالحرام ولو بنظرة واحدة ولا مانع لديهم أن يبذلوا في سبيل الحصول عليها زخرفا من القول وكثيرا من المال ومغامرة في نشر الفساد والضلال مرددين قول شاعر هم:

قلنا: اسمحوا لي أن أفوز بنظرة              ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍

ثم لنتأمل سويا قول الحق تبارك وتعالى:(( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ،ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهم ))الآية فإن الآية ترشد إلى التباعد عن أسباب الفتنة ،وتسدل الحجاب المنيع والحصين لئلا يتحقق لمرضى القلوب وهواة الرذيلة شيء من مآربهم السيئة التي تحطم العفاف وتسبب العقوبة العاجلة والآجلة ولا يشك عاقل منصف أن الوجه والكفين محل الفتنة فالواجب سترهما كما ترشد الآية أيضا إلى تطهر القلوب للرجال والنساء،وهي لا تحصل إلا بسد ذرائع الزنا وقفل طرائقه التي من أعظمها لقاء المرأة والتمتع بمشاهدة وجهها المكشوف وعينيها الكحيلتين وحاجبيها المزججين وبنانها ذات الأسورة والخضاب فاتقوا الله يا دعاة السفور ،واتقوا يوما أعده الله للعبث والنشور ،فيه يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور ،ويتولى الحكم فيه العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور  

3.    ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها ((أنها خمرت وجهها لما سمعت صوت صفوان بن المعطل السلمي ،وقالت إنه كان يعرفها قبل الحجاب ))فدل ذلك على أن النساء بعد نزول آية الحجاب لا يعرفن بسبب تخمير وجوههن

4.    ما ثبت في السنن وغيرها عنها رضي الله عنها قالت:(( كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا)) وما ذلك إلا لعلمهن بالحكم الشرعي وهو أن الوجه عورة يجب ستره عن الأجانب.

5.    وما جاء في سنن الترمذي وغيره من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((المرأة عورة)) وهو دليل صريح على أن جميع أجزاء المرأة عورة في حق الرجال الأجانب سواء في ذلك وجهها وغيره من أعضائها بل إن وجهها وكفيها أولى بالستر لأنها محل الرغبة من الرجال ومحل الفتنة من النساء وعليه فمن زعم أن للمرأة حقا في كشف وجهها وكفيها أمام الأجانب من الرجال فقد جانب الحق والصواب فإن كان من أهل النظر والاجتهاد والسلامة من الزيغ فله أجر اجتهاده وخطؤه معفو عنه فيه غير أنه لا يجوز أن يتابع على قوله وأما إن كان ممن ليسوا كذلك فإنه لا يلتفت إلى شيء من أقواله وتعليلاته لأن الحق أحق أن  يتبع .

*ولقد فقه الإمام الكبير أحمد بن حنبل رحمه الله مدلول حديث ابن مسعود السابق فقال:(( ظفر المرأة عورة)) فإذا خرجت من بيتها فلا تبن منها شيئاً ولا خفها فإن الخف يصف القدم وأحب لدي أن تجعل لكمها زراً عند يدها حتى لا يبين منها شيء )). ولقد فهم مثل فقه الإمام أحمد من حديث ابن مسعود ونظائره من النصوص كثير من العلماء والأئمة عبر تاريخ زمانهم أن جميع بدن المرأة الحرة عورة بدون استثناء لوجهها وكفيها.

*وأما الدليل العقلي فإن مما لا شك فيه عند العقلاء المنصفين أن الفتنة في كشف وجه المرأة وكفيها وأسورة بنانها أعظم من كشف القدم الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإرخاء ذيول النساء فيه ذراعا لئلا تنكشف أقدامهن  

*وأما الدليل العرفي فإن كل إنسان منصف يعرف أن محل رغبة الرجال في النساء إنما تكون في الوجه غالباً وكثيراً ولا ينفي ذلك وقوع الافتتان بغيره منهن حتى بأصواتهن بل بأصوات زينتهن كما في سورة النور حيث قال الله عز وجل:(( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن )). فإذا علم ذلك واتضح فإنه يجب على الذي صرح بجواز كشف المرأة وجهها وكفيها أمام الرجال الأجانب أن يتقي ربه ويرجع عن هذه الفتوى ويتلمس الرشد من أهل التخصص في علوم الشرع السائرين على طريق أهل السنة والجماعة أهل الفهم الصحيح لمقاصد الشرع الكريم وأهدافه الجليلة في التحليل والتحريم وأسباب الصلاح والفساد وسد الذرائع .

ورحم الله الإمام ابن القيم حيث قال:(( ومن صفات الطيب الحاذق أن يكون على خبرة باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان فإن انفعال البدن وطبيعته عن النفس والقلب أمر مشهود.والطبيب إذا كان عارفا بأمراض القلب والروح وعلاجهما كان هو الطبيب الكامل والذي لا خبرة له بذلك وإن كان حاذقا في علاج الطبيعة وأحوال البدن نصف طبيب وكل طبيب لا يداوي العليل بتفقد قلبه وروحه وقواه بفعل الخير والإحسان والإقبال على الله والدار الآخرة فليس بطبيب بل متطبب قاصر )). وخلاصة المسألة أنه لا محيص من استعمال المرأة الحرة اللباس الشرعي الذي من أساسياته النقاب على الوجه إلا العين والقفازان للكفين أو ما يقوم مقامها ويؤدي وظيفتها وذلك عند الاختلاط بالأجانب لا سيما هذا الزمان الذي قل فيه الأخيار وكثر فيه الأشرار. ألا وإن كل من دعا إلى كشف وجه المرأة وكفيها أمام الأجانب متذرعا بما لا يسوغ ذلك شرعا فإنه قد سن سنة سيئة يحمل وزرها ووزر من يعمل بها لا ينقص من أوزارهم شيء ومن تاب الله عليه وبل سيئاته حسنات. وإنه ليطيب لي أن أذيل هذا التوجيه بأمرين هامين وقصة صحيحة ذات عظة وعبرة .

أما الأمر الأول فهو بيان ما يستفاد من أدلة الحجاب من أحكام وهي كما يلي:

1.    فرضية الحجاب الشرعي أمر محتم على كافة نساء المؤمنين لا هوادة فيه ولا مساومة على إلغائه أو التقليل من شأنه وأهميته.

2.    بيان أن نساء النبي الطاهرات وبناته الكريمات هن الأسوة الحسنة والقدوة الرشيدة لكافة النساء المسلمات في تطبيق مسألة الحجاب .

3.    بيان أن الجلباب الشرعي هو الذي يكون ساترا للزينة والثياب وجميع البدن بما في ذلك الوجه والكفان.

4.    إن فرض الحجاب على المرأة المسلمة فيه تكريم لها وتشريف لجنابها وصيانة لعرضها وذويها بل للمجتمع كله من ظهور أسباب الفتنة والفساد فيه وانتشار الرذيلة بين أفراده وذويه.

5.    التحذير الشديد للمرأة المسلمة من استعمال ما يلفت أنظار الرجال إليها أو يستميل قلوبهم أو يثير بواعث الافتتان بها وذلك كاستعمال الروائح الطيبة والتجمل المغري اللهم إلا إذا كانت عند زوجها أو محارمها في حدود الشرع الشريف.

6.    إنه لا محظور في دخول الأطفال والغلمان ومن في حكمهم على النساء لعدم حصول شيء من فتنة أو خطر من جانبهم كما هو صريح القرآن.

7.    وجوب التوبة إلى الله عموما ومن التقصير في شأن الحجاب خصوصا رجاء الرضا والرحمة من الله وحصول الفلاح في الدارين امتثالا لقول الله تعالى:(( وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)).

 

شروط حجاب المرأة المسلمة

الأمر الثاني: بيان ما يشترط في الحجاب كي يكون مؤديا للغرض الشرعي وفيما يلي ذكر الضروري من الشروط:

1.    أن يكون الحجاب ساترا لجميع بدن المرأة لقول الله عز وجل:(( يدنين عليهن من جلابيبهن)) وقد علمت مما سبق تدوينه أن الجلباب هو الثوب السابغ الساتر لجميع البدن وأن معنى الإدناء هو الإرخاء والسدل كما تقدم.

2.    أن يكون الثوب كثيفا غير شفاف ولا رقيق لأن الشفاف الرقيق لا يتحقق منه الغرض من الحجاب الذي هو الستر لجميع بدن المرأة وزينتها الظاهرة والخفية وعليه فإن ما يستعمله اليوم معظم النساء اللاتي يرتدين الحجاب مما سمى بالعباءة أو الملاءة الشفافة التي تصف البشرة ويرى الناظر مما وراءها لا يعد حجابا شرعيا وليس الحامل عليه إلا زيادة الإغراء بالمحاسن والمفاتن ولكي يقال: إنهن محجبات ونعوذ بالله من الخداع الذي بعود ضرره على عشاقه ومحبيه.

3.    أن لا يكون الحجاب ذا زينة في ذاته بحيث يكون ملونا جذابا يلفت الأنظار ويمرض القلوب وقد سبق معنا معنى ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وإذا كان الأمر كذلك فكل حجاب لا يمنع ظهور الزينة عن الأجانب فليس بحجاب شرعي.

4.    أن يكون فضفاضا فإن الضيق يجسم العورة ويظهرها أمام الرجال الأجانب وحينئذ يصطدم بالغرض المنشود من فرضية الحجاب ويمن القول أن من جملة اللباس الضيق ما يسمى بالبنطلون والذي لا يوضع عليه ما يستوعب ستره أضف إلى اعتباره مجسما للعورة ما فيه من تشبيه وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم:(( الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل)) رواه أبو داود والنسائي.

5.    كما يشترط في الحجاب أيضا أن لا يكون معطرا فإن في تطييبه إثارة لشهوات الرجال وفتنة لهم رغم أنوفهم فتحمل صانعة ذلك وزرها ووزر من استجاب لدعوتها العملية إلى هذا النوع من الزنا وفي الحديث الذي رواه أصحاب السنن وغيرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(( إن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا )) يعني زانية وفي رواية أخرى(( إن المرأة إذا استعطرت فمرت على القوم ليجدوا ريحا فهي زانية))

هذه يا اخوتنا من المسلمين والمسلمات شروط ضرورية في الحجاب ليتحقق منه الغرض المقصود فلنتق الله بامتثال أمره واجتناب نهيه ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن في ذلك سعادة الدارين.

وأما القصة ذات العبرة والعظة فهي ما جاء في ترجمة عبيد بن عمير المكي في ثقات العجلي قال: كانت امرأة جميلة بمكة كان لها زوج فنظرت يوما إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها: أترى أحدا يرى هذا الوجه ولا يفتتن به. قال:نعم. قالت:من؟ قال: عبيد بن عمير. قالت:فأذن لي فيه لأفتنه. قال:قد أذنت لك فأتته فاستفتته فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام قال: فأسفرت عن مثل فلقة القمر فقال لها:((يا أمة الله اتقي الله ))

أورد هذه القصة صاحب الحلية في ثقات الإمام العجلي في ترجمة عبيد بن عمير المكي وأوردها الألباني في كتابه الحجاب مستدلا بها على النقاب .

قلت: وإنه ليستفاد من إنكار هذا العالم الجليل على تلك المرأة حين أسفرت وجهها عنده أن التابعين الكرام كانوا يرون سفور المرأة بكشفها لوجهها أمام الرجال الأجانب منكرا عظيما يجب تغييره وبذل الجهد في إزالته وحقا إن الأمر كذلك فإن الناظر إلى وجه المرأة وكفيها يعني التي لا يحل له النظر إليها ليتمتع بأعظم الأعضاء فتنة لها وشرها ضررا عليه. ألا فليع المفتون بجواز كشف وجه المرأة وكفيها أمام الرجال الأجانب لا سيما الكثير من رجال زماننا الذي سيطرت على قلوبهم وعقولهم المغريات المحرمة فأصيبوا بمرض الشبهات والشهوات وليتق الله المقلدون والمقلدات الداعون بأفعالهم وأقوالهم إلى كشف العورات والنظر إلى وجوه المومسات ابتغاء الفتن المنكودات والمضلات هذا ما أحببت إيضاحه والتنبيه عليه تذكيرا وتبصرة لكل مريد للحق محب للفضيلة وكاره للباطل مبغض للرذيلة وما توفيقي إلا بالله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه